الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الأحد، يوليو 21، 2024

في جدل رمزية الكوفية الفلسطينية بين الحساسية والسياسية: عبده حقي

 


شهدت الأسابيع الأخيرة جدلاً سياسيا أشعل الساحة الجامعية المغربية. وفي قلب هذه القضية تقع كلية ابن مسيك، حيث رفض عميدها منح جائزة لطالبة بسبب ارتدائها الكوفية الفلسطينية. إن هذه الحادثة، أكثر بكثير من مجرد حكاية بسيطة، تسلط الضوء على التوترات العميقة وتثير تساؤلات حول حرية التعبير والسياسة والهوية الثقافية داخل الجامعات المغربية.

وقع الحادث خلال حفل توزيع جوائز يهدف إلى تكريم الطلاب والطالبات على تفوقهم الأكاديمي ومساهماتهم في الحياة الجامعية. وعندما تقدمت إحدى الطالبات لتسلم جائزتها، زعموا أن العميد رفض منحها الجائزة يدا بيد إلا بعد نزع كوفيتها الفلسطينية. ومن المعلوم أنه غالباً ما يُنظر إلى الكوفية، وهي رمز قوي للتضامن مع القضية الفلسطينية، على أنها علامة على الالتزام السياسي. وقد فسر كثيرون سلوك العميد على أنه محاولة لقمع حرية التعبير في دعم الشعب الفلسطيني الذي يعاني منذ شهور عديدة من حرب شؤسة ووحشية في قطاع غزة.

وقد تسبب الحادث على الفور في موجة من السخط. وأدان الطلاب والمنظمات الطلابية وبعض المجتمع المدني ما يعتبرونه اعتداء على حرية التعبير. ووقعت احتجاجات في حرم جامعة ابن مسيك، وسرعان ما اتخذت القضية أبعادا وطنية، وجذبت اهتمام وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي.

وشدد أنصار الطالبة على أن ارتداء الكوفية لا ينبغي بأي حال من الأحوال أن يكون سببا للتمييز أو العقاب. بالنسبة لهم، لا يشكل هذا العمل اعتداءً على الحقوق الفردية فحسب، بل هو أيضًا محاولة لإسكات الأصوات المعارضة وتهميش أولئك الذين يدعمون القضية الفلسطينية.

في المقابل، دافع البعض عن العميد، معتبرين أن الجامعة يجب أن تظل مكانا محايدا سياسيا. ووفقا لآرائهم، فإن وجود الرموز السياسية في المناسبات الرسمية يمكن أن يخلق انقسامات وتوترات غير ضرورية داخل الحرم الجامعي.

وأثار هذا الحادث تساؤلات جوهرية حول حرية التعبير في المؤسسات الأكاديمية المغربية حيث تعد الجامعات تقليديًا أماكن للنقاش والتفكير النقدي وتنوع الآراء. ويمكن اعتبار ارتداء الطالبة للكوفية شكلاً من أشكال التعبير الشخصي والسياسي، الذي تحميه مبادئ حرية التعبير ودستور المملكة.

إلا أن رد فعل العميد يثير التساؤل حول مدى امتداد هذه الحرية. هل يحق للمؤسسات الأكاديمية الحد من التعبير السياسي لطلابها؟ أين ينبغي لنا أن نرسم الخط الفاصل بين الحياد المؤسسي والرقابة؟ تعتبر هذه الأسئلة حاسمة في السياق الحالي، حيث تنخرط الأجيال الشابة بشكل متزايد على الصعيدين السياسي والاجتماعي.

تعكس إذن قضية الكوفية الفلسطينية في جامعة ابن مسيك أيضًا توترات أوسع حول الهوية الثقافية والسياسية في المغرب. إن دعم القضية الفلسطينية متجذر بعمق في المجتمع المغربي، حيث يرى العديد من المواطنين أن النضال الفلسطيني هو مرآة لتطلعاتهم إلى العدالة والكرامة.

لكن هذا التضامن لا يخلو من جدل حقيقي. داخل المؤسسات الأكاديمية، حيث تتعايش آراء متنوعة، قد يؤدي التأكيد على الرموز السياسية في بعض الأحيان إلى حدوث احتكاك. تُظهر قضية الكوفية كيف يمكن لقضايا السياسة الدولية أن يتردد صداها على المستوى المحلي وتؤثر على الديناميكيات الداخلية للجامعات.

وفي أعقاب هذا الحادث، يمكن النظر في عدة مسارات للعمل. فمن ناحية، من الأهمية بمكان أن تتبنى المؤسسات الأكاديمية سياسات واضحة فيما يتعلق بحرية التعبير واستخدام الرموز السياسية. ويمكن أن يشمل ذلك إجراء حوارات مفتوحة بين الإدارة والطلاب لتحديد القواعد التي تحترم الحقوق الفردية مع الحفاظ على بيئة متناغمة في الحرم الجامعي.

ومن ناحية أخرى، يمكن أن تكون هذه الحادثة بمثابة حافز للتفكير على نطاق أوسع حول دور الجامعات في المجتمع المغربي. باعتبارها أماكن لتدريب قادة المستقبل والمواطنين، تتحمل الجامعات مسؤولية تعزيز قيم التسامح والاحترام والحرية.

وأخيرا، من الضروري دعم الطلاب في سعيهم لتحقيق العدالة ونشر الحقوق والمبادئ الإنسانية. غالباً ما تكون الأجيال الشابة في طليعة الحركات الاجتماعية والسياسية، وتستحق أصواتها أن تُسمع وتُحترم. يشكل الجدل الدائر حول الكوفية الفلسطينية فرصة لتعزيز مبادئ الديمقراطية وحرية التعبير داخل المؤسسات الأكاديمية المغربية.

قضية الكوفية الفلسطينية في جامعة ابن مسيك هي أكثر بكثير من مجرد حادثة معزولة. ويسلط الضوء على قضايا عميقة تتعلق بحرية التعبير والهوية الثقافية والسياسية ودور المؤسسات الأكاديمية في المجتمع. ومن خلال معالجة هذه القضايا بطريقة منفتحة وبناءة، من الممكن تحويل هذه الأزمة إلى فرصة لتعزيز القيم الديمقراطية وتشجيع الحوار المحترم والشامل داخل الجامعات المغربية.

0 التعليقات: