في الرابع من أبريل 2025، وبينما كانت مايكروسوفت تحتفل بخمسين عامًا على تأسيسها في مقرها بمدينة ريدموند بولاية واشنطن، هزّت كلمات شابة مغربية هادئة أركان ذلك الاحتفال الصاخب. صعدت ابتهال أبو سعد، مبرمجة متخصصة في الذكاء الاصطناعي، إلى المنصة لتُعبّر عن شيء مختلف تمامًا عن فخر إنجازات مايكروسوفت. كانت هناك لتطلق صرخة ضمير عالمي مدوي.
"لا يمكنني أن أحتفل بينما يُقتل الأبرياء في فلسطين"، هكذا بدأت كلماتها، لتتحول القاعة من مكان احتفال إلى لحظة مواجهة مؤلمة. ابتهال، خريجة جامعة هارفارد، لم تتحدث فقط بلسانها، بل بلسان كثيرين يشعرون بأن مساهماتهم التكنولوجية تُستخدم في سياقات عسكرية قاتلة، وخاصة في الحرب على غزة.
منذ اندلاع العدوان
الإسرائيلي على غزة في أكتوبر 2023، بدأت تظهر تقارير تشير إلى استخدام أدوات الذكاء
الاصطناعي، المطورة من قِبل شركات كبرى مثل مايكروسوفت، في عمليات تحديد واستهداف الأهداف
العسكرية، والتي غالبًا ما يسقط بسببها مدنيون أبرياء. ابتهال، التي عملت على تطوير
منصة "أجر" داخل مايكروسوفت، صُدمت حين علمت أن تقنيتهم أصبحت أداة للمراقبة
والاستهداف.
لم تكن وحدها بل
هناك موظفون عرب وفلسطينيون داخل الشركة حاولوا الاحتجاج ، لكنهم قوبلوا بالصمت أو
الإقصاء فقد طُرد البعض، وتعرض آخرون للترهيب، إلا أن ابتهال رفضت السكوت، وقررت أن
تتحدث، حتى لو كان الثمن مستقبلها المهني.
عندما واجهت مصطفى
سليمان، المدير التنفيذي للذكاء الاصطناعي في الشركة، فوق منصة الاحتفال، اكتفى هذا
الأخير بالرد عليها قائلا : "شكراً على احتجاجك، لقد سمعتك". لكن الرد الحقيقي
جاء بعد ساعات، حين حُجبت حساباتها الوظيفية، في خطوة بدت واضحة بأنها بداية نهاية
مسيرتها في الشركة.
لكن الفيديو انتشر
على مواقع التواصل كالنار في الهشيم. فقد أشاد بها كثيرون واعتبروها بطلة إنسانية
متألقة، بينما انتقدها آخرون. حتى حركة حماس من جانبها أصدرت بياناً تشيد بموقفها.
وهكذا، تحوّلت الشابة المغربية ابتهال أبو السعد من مهندسة تعمل بصمت إلى أيقونة رمزية
في مواجهة استخدام التكنولوجيا في الإبادة الجماعية.
لقد أثارت هذه الحادثة
أسئلة كبيرة: هل تتحمل شركات التكنولوجيا مسؤولية الاستخدام السيء لأدواتها؟ مايكروسوفت
اكتفت بالقول إنها تدعم حرية التعبير، دون أن تُفصح عن طبيعة تعاقداتها مع الجيش الإسرائيلي.
ابتهال أبو سعد لم
تختر أن تكون بطلة، بل اختارت أن تكون إنسانة. أن تتحدث عندما يصمت الجميع. أن ترفض
أن تُستخدم مهاراتها في قتل الأبرياء. لقد اختارت أن يكون الخوف من التواطؤ في القتل
أكبر من الخوف من خسارة الوظيفة.
اليوم، يتساءل كثيرون:
هل تكون صرخة ابتهال بداية لثورة أخلاقية داخل وادي السيليكون؟ هل تُعيد الشركات النظر
في دورها؟ وهل ما زال هناك مكان للضمير في عالم الذكاء الاصطناعي؟
0 التعليقات:
إرسال تعليق