يتعمق كتاب رالف كيز "عصر ما بعد الحقيقة: الكذب والخداع في الحياة المعاصرة" (2004) في تزايد انتشار الكذب في المجتمعات الحديثة، وابتكر مصطلح "ما بعد الحقيقة" لوصف تحول ثقافي يتلاشى فيه التمييز بين الحقيقة والكذب. ويقول كيز بأن الخداع أصبح جانبًا متفشيًا في الحياة اليومية، حيث ينخرط الأفراد والمؤسسات في ممارسات الكذب بوتيرة أكبر وبشعور أقل بالندم.
يبدأ كيز بدراسة تراجع الصدق، مشيرًا إلى أن المجتمع تجاوز المفاهيم التقليدية للصدق. ويقدم مفهوم "ما بعد الصدق"، وهو مجال أخلاقي رمادي يمكن للأفراد فيه الخداع دون اعتبار أنفسهم غير صادقين. ويسهل هذا التحول استخدام لغة ملطفة تُخفف من حدة الكذب؛ على سبيل المثال، تُستخدم مصطلحات مثل "سوء الكلام" أو "المبالغة" بدلاً من "الكذب".
يقدم الكتاب منظورًا
تاريخيًا للكذب، مشيرًا إلى أنه بينما كان الخداع جزءًا لا يتجزأ من التفاعل البشري،
إلا أن المجتمع المعاصر يُظهر تقبّلًا فريدًا له. يعزو كيز ذلك إلى عوامل مختلفة، منها
تأثير ما بعد الحداثة، التي تُشكك في وجود الحقيقة الموضوعية، وصعود وسائل الإعلام
الرقمية، التي تسمح بانتشار المعلومات غير المُتحقق منها بسرعة.
يستكشف كيز أيضًا دور
القدوة والمرشدين في ترسيخ الكذب. ينتقد المهنيين، مثل المعالجين النفسيين والمحامين
والسياسيين، مشيرًا إلى أن أفعالهم غالبًا ما تُطمس الخطوط الفاصلة بين الحقيقة والخداع،
مما يُرسّخ السلوك غير الصادق في المجتمع.
على الرغم من صدور
كتاب *عصر ما بعد الحقيقة* عام 2004، إلا أنه لا يزال ذا أهمية بالغة. استبقت رؤى كيز
الوضع الراهن الذي يشهد تفشي المعلومات المضللة و"الأخبار الكاذبة". يوفر
تحليله لكيفية تطور المواقف المجتمعية تجاه الكذب فهمًا أساسيًا لتحديات اليوم في التمييز
بين الحقيقة والزيف.
لقد حظي الكتاب بإشادة
لدراسته الشاملة للكذب في الحياة المعاصرة. وأشارت *ناشرون ويكلي* إلى أن "كيز
يستنكر ما يصفه بـ"الأخلاق البديلة" التي جعلت الكذب أكثر قبولًا"،
مسلطًا الضوء على استكشاف الكتاب للعوامل المساهمة في هذه الظاهرة.
قيّم القراء على موقع Goodreads الكتاب بمتوسط 3.79 من 5، مما يشير إلى
استقبال إيجابي بشكل عام.
يقدم كتاب *عصر ما
بعد الحقيقة* تحليلاً مُقنعاً لتصاعد ظاهرة الكذب في المجتمع الحديث. إن استكشاف كيز
للعوامل المساهمة في هذا التوجه، إلى جانب منظوره التاريخي، يجعل الكتاب مورداً قيّماً
لفهم تعقيدات الصدق والخداع في الحياة المعاصرة.
"The Post-Truth Era" (Keyes, 2004) Ralph Keye
0 التعليقات:
إرسال تعليق