الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الجمعة، أغسطس 23، 2024

الرواية الفلسطينية في ساحة المعركة عزت الغزاوي نموذجا عبده حقي


 في سياق النضال الفلسطيني، كان الأدب دائمًا وسيبقى أكثر من مجرد إنتاجا لمختلف السرود والتعبيرات اللغوية؛ لقد كان وسيلة لمقاومة المحو ونقل المعاناة الفلسطينية إلى العالم. وتجسد أعمال الروائيين الفلسطينيين كيف يشتغل السرد كساحة معركة للدفاع عن الهوية وسلاحا ضد القوى الصهيونية التي تسعى إلى تقويضها.

إن مفهوم الأدب كمقاومة يشكل عنصراً أساسياً لفهم مساهمة الروائيين في الثقافة الفلسطينية. فبالنسبة لهم، إن فعل الكتابة فعل سياسي بطبيعته، ووسيلة لتحدي السرديات السائدة التي يفرضها المحتل وتأكيدا للمنظور الفلسطيني. وكثيراً ما تتعمق أعمالهم في التفاصيل اليومية للحياة تحت وحشية الاحتلال، وصدمة النزوح، والأمل الدائم في الحرية. ومن خلال الشخصيات والأحداث ، رسم الروائيون صورة حية وواقعية للنضال الفلسطيني، وقدموا للقراء من داخل فلسطين وخارجها لمحة عن قضية الشعب وتصميم الدائم على التحرر.

كما لعبت أعمالهم دوراً حاسماً في الحفاظ على الهوية الفلسطينية. ففي مواجهة المحاولات المستمرة لمحو وتزييف التاريخ والثقافة الفلسطينية، عملت كتاباتهم كذخيرة للذاكرة الجماعية. لقد أدركوا مبكرا أن الأدب يمكن أن يحافظ على النصوص والتقاليد والتجارب التي تحدد الهوية الفلسطينية. ومن خلال توثيق نضالات وتطلعات الشعب ، ضمنوا أن الأجيال في المستقبل سيكون لديها سجل لتراثها، في مواجهة المحو الثقافي. كما شكلت أعمالهم شهادة أن الهوية ليست ثابتة ولكنها تتشكل باستمرار وإعادة تشكيلها من خلال السرد.

تُعَد رواية “عبد الله التلالي” 1998 التي تحكي قصة مواطن فلسطيني ضحى بحياته من أجل القضية الفلسطينية العادلة من أبرز إسهامات عزت الغزاوي في الأدب الفلسطيني . وتتناول الرواية موضوع التضحية والمقاومة والنضال الفلسطيني. ومن خلال هذا العمل، يتعمق الغزاوي في سيكولوجية المقاومة، ويفحص التكاليف الشخصية والآثار الأوسع نطاقًا للنضال من أجل التحرير. وترمز رحلة البطل إلى التجربة الشمولية للشعب الفلسطيني، وتسلط الضوء على التوترات بين الرغبة في السلام وضرورة المقاومة.

بالإضافة إلى رواياته، كان الغزاوي كاتبًا وأكاديميًا غزير الإنتاج، منخرطًا بعمق في الأسس النظرية للأدب الفلسطيني. وكثيرًا ما كتب عن دور الأدب في تشكيل الوعي الوطني وأهمية المقاومة الثقافية في مواجهة الاحتلال. وقد آمن بأن الأدب هو وسيلة قوية للبناء والحفاظ على الشعور بالهوية الجماعية، وخاصة بالنسبة لشعب كان وما يزال وجوده مهددًا بالمحو العنصري. وقد أكدت مقالاته ومحاضراته على الحاجة إلى تفاعل الكتاب الفلسطينيين مع تاريخهم واستخدام أعمالهم الأدبية وفنونهم كوسيلة للدفاع عن القضية الفلسطينية ودعمها بكل الوسائل.

يتردد صدى أعمال الغزاوي مع التقليد الشاسع لأدب المقاومة في العالم العربي، حيث استخدم الكتاب أقلامهم منذ فترة طويلة كسلاح ضد الاستعمار والاحتلال والقمع. وعلى غرار مجايليه، رأى الغزاوي في الممارسة الأدبية كشكل من أشكال مقاومة القوى الصهيونية التي تسعى إلى إسكات صوت شعبه المقهور. وتتجذر كتاباته كذلك بعمق في أرض وثقافة فلسطين السليبة، مستفيدة من تاريخها وتقاليدها الغنية لخلق سرود قوية للمقاومة.

إن الحفاظ على ملامح الهوية الفلسطينية من خلال الأدب هو موضوع يتجدد باستمرار في جميع أعمال الغزاوي. فقد أدرك أنه في مواجهة محاولات محو التاريخ والثقافة الفلسطينية، كان من الضروري الحفاظ على هذه السرود حية. وتشكل أعماله الروائية كتذكير بالارتباط الدائم للشعب الفلسطيني بأرضه وثقافته وتاريخه. ومن خلال توثيق تجارب شعبه، كرس الغزاوي هويتهم، حتى في مواجهة الصعاب الساحقة.

إن مساهمة عزت الغزاوي في الأدب الفلسطيني بالغة الأهمية للغاية، ولا تزال أعماله تلهم الكتاب والنشطاء السياسيين في جميع أنحاء العالم العربي. ولا يزال إيمانه بقوة الأدب في مقاومة القمع والحفاظ على الهوية ذا صلة اليوم، حيث يواصل الفلسطينيون مواجهة التحديات التي تهدد وجودهم وثقافتهم. إن إرث الغزاوي هو شهادة على القوة الدائمة للكلمة المكتوبة في تشكيل الوعي وتأكيد الهوية ومقاومة المحو.

عزت الغزاوي (4 ديسمبر 1951 - 4 أبريل 2003) أديب وكاتب فلسطيني، ولد في قرية دير الغصون بمحافظة طولكرم، كتب عن معاناة الشعب الفلسطيني واعتقلته السلطات الإسرائيلية عدة مرات بسبب نشاطه السياسي وعضوية القيادة الوطنية الموحدة في الإنتفاضة الفلسطينية الأولى. نال درجة الماجستير في الأدب الإنجليزي من جامعة ساوث داكوثا الأمريكية وعمل أستاذاً في جامعة بيرزيت، وحصل على جوائز عالمية في حقول الأدب.


0 التعليقات: