الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الخميس، أغسطس 22، 2024

"العاشقان" نص شعري : عبده حقي


يقفان في عالم بلا أسماء، وجهيهما ، محاطان بدخان عميق، يهمس بالأسرار لليل.  إنهما عاشقان، مرتبطان بحبل الأحلام، ومع ذلك، لا تراهما العيون التي تريد أن تسميهما عاشقين حقيقيين.

في عالم الحلم، حيث ترقص الظلال، يكون عناقهما أبديًا، رغم أن شفتيهما قد لا تلمسان بعضهما البعض أبدًا.

خلف الستائر، هل يريان نظرة بعضهما البعض، أم أنها انعكاس لشوق، رغبة في أن يُعرفا دون حجاب الجسد؟ إنهما عاشقان من الفراغ، حيث اللمس سراب، والهمسات لغة الروح.

حبهما أغنية الريح، لحن ينزلق بين الأصابع مثل حبات الرمل، ومع ذلك، فإنه يظل باقيًا، يطارد الهواء برائحة الأحلام المنسيّة.

الغرفة من حولهما ليست غرفة بل فكرة، فكرة معلقة في كهرمان الزمن.  جدران تتنفس، تنبض بإيقاع قلب منسي، سماء تنزف بألوان الشفق، حيث النجوم ليست سوى أصداء لرغبات لم تقال قط.

الباب مغلق، لكنه مفتوح إلى اللانهاية، ممر إلى الأحلام التي تكمن وراء عالم اليقظة.

يقفان على العتبة، حيث يذوب الواقع في ضباب الممكن، وحيث الحب ليس لمسة بل فكرة، ليس كلمة بل صمت يتحدث كثيرًا.

ماذا يرون هؤلاء العشاق بلا وجوه؟ هل يرون العالم كما هو، أم كما قد يكون؟ هل يرون انعكاس أرواحهم، أم ظل رغبة لا يمكن تسميتها؟

حبهما مرآة، لا تعكس وجوههما، بل متاهة القلب التي لا نهاية لها، حيث كل منعطف هو سؤال، وكل إجابة هي باب يؤدي إلى لغز آخر.

يقفان في صمت، شفاههما جامدة، ومع ذلك، فإن الهواء كثيف بالكلمات غير المنطوقة، والأفكار التي تدور مثل الدخان في الهواء، مراوغة، حقيقية ولكنها غير حقيقية.

حبهما مفارقة، لهب يحترق دون حرارة، ضوء ينير دون إضاءة. إنه حب الحالم للحلم، حب الليل للنجوم، حب يُشعر به في الصمت بين الأنفاس، في الفراغ بين الأفكار، في التوقف بين دقات القلب.

عاشقان وحيدان، لكنهما ليسا وحيدين، لإنهما معًا بالطريقة التي لا يمكن إلا للضائعين أن يكونوا عليها.

إنهما مرتبطان بخيوط القدر غير المرئية، خيوط من خلال نسيج الوقت، تربطهما معًا في رقصة ليس لها نهاية، رقصة هي البداية والنهاية، حلم ويقظة، حقيقة وكذبة.

حبهما هو المستحيل، حب الغيب، غير مسموع، الحب الذي لا يوجد إلا في المساحات الفردوسية بينهما.

في النهاية، هما ليسا عاشقان كما نعرفهما، بل رموز، نماذج أولية لحب يتجاوز فهمنا. إنهما عشاق الليل، عشاق الحلم، وعشاق الفراغ.

إنهما الصمت الذي يتحدث، والظلام الذي يكشف، والغموض الذي يعرفه القلب، ولكن لا يعرفه العقل أبدًا.

يقفان معًا، متخفيين، في عالم ليس عالمًا، بل فكرة، حلم، إمكانية.  إنهماا العاشقان، وحبهما هو الحب الموجود، والذي ليس موجودًا، حب موجود في الفضاء بين النجوم، في الصمت بين الكلمات، في الظلام الذي ليس ظلامًا، بل هو النور الذي لم يُرَ بعد.

وهكذا يقفان معًا منفصلين، عاشقين بلا وجوه، بلا أسماء، في عالم بلا زمن، بلا نهاية. حبهما هو حب اللانهائي، حب المستحيل، الحب الذي هو، والذي ليس، حب لا يوجد إلا في الفضاء بين النجوم.

0 التعليقات: