الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الاثنين، أكتوبر 28، 2024

تحديات الهشاشة التي تؤخر الجزائر وتعقّد شراكتها مع مصر: عبده حقي


أبرزت الزيارة الدبلوماسية بين الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عدة اختلافات رئيسية، وأبرزها فيما يتعلق بالمنهج المتبع في التعامل مع الأمن الإقليمي وقضية الصحراء المغربية. فقد دعمت الجزائر باستمرار جبهة البوليساريو من أجل استقلال الصحراء فيما حافظت مصر على موقف أكثر حيادًا، حيث امتنعت عن اتخاذ موقف علني بين المغرب وجبهة البوليساريو للحفاظ على علاقاتها الدبلوماسية في جميع أنحاء المغرب ومع حلفائها في الخليج الذين يدعمون المغرب.

وعلاوة على ذلك، في حين يتقاسم الرئيسان المخاوف بشأن عدم الاستقرار الإقليمي والتطرف، فإن منهجهما في التخفيف من حدة هذه التهديدات يختلف بشكل واضح . فالرئيس السيسي يفضل استراتيجية عسكرية حازمة، وهو ما يتضح من حملة مصر القوية لمكافحة الإرهاب على المستوى المحلي وفي ليبيا. ومن ناحية أخرى، تميل الجزائر إلى الدعوة إلى حلول دبلوماسية في سياستها . وقد حد هذا الاختلاف الجوهري تاريخيا من عمق التعاون العسكري بين مصر والجزائر ويستمر في خلق الاحتكاكات في تعاملهما مع التهديدات المشتركة في المنطقة.

إن حياد مصر في قضية الصحراء المغربية هو بمثابة عمل توازن يهدف إلى تجنب إثارة غضب المغرب وداعميه الخليجيين، وخاصة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، مع الحفاظ على العلاقات الدبلوماسية مع الجزائر. وترى الجزائر أن هذا الحياد يقوض موقفها، بالنظر إلى دعمها النشط لمطالبة جبهة البوليساريو باستقلال الصحراء.

ويمكن فهم موقف مصر باعتباره منهجاً عملياً. فبالنسبة للقاهرة، تشكل الصحراء المغربية قضية ثانوية مقارنة بقضايا أكثر إلحاحاً، مثل الاستقرار في ليبيا، وشرق البحر الأبيض المتوسط، وسياسات حوض النيل. ومع ذلك، فقد أدى هذا إلى تعزيز بعض عدم الثقة من جانب الجزائر، التي ترى في موقف مصر افتقاراً إلى التضامن في قضية تعتبرها الجزائر محورية لاستقرار المغرب الكبير. ويؤكد الاختلاف في الأولويات هنا على تباعد أوسع نطاقاً في كيفية تعامل البلدين مع الدبلوماسية الإقليمية والحفاظ على التحالفات، مما قد يحد من نطاق تعاونهما الثنائي.

وتواجه الجزائر تحديات اقتصادية كبيرة تعقّد قدرتها على الدخول في شراكات اقتصادية قوية، وخاصة مع مصر. فعلى الرغم من كونها دولة غنية بالنفط، فإن اقتصاد الجزائر يظل معتمداً بشكل كبير على صادرات الهيدروكربون، مما يجعله عرضة لتقلبات أسعار النفط العالمية. وقد أدى هذا الاعتماد إلى إحباط جهود التنويع وأدى إلى ارتفاع معدلات البطالة بين الشباب ونقص التنمية الصناعية. كما تعمل القيود التنظيمية المفروضة على الاستثمار الأجنبي والعقبات البيروقراطية في الجزائر على إعاقة الشراكات الأجنبية، بما في ذلك مع مصر.

من جانبها، تواجه مصر تحديات اقتصادية خاصة بها، في المقام الأول ارتفاع الدين العام والتضخم، الأمر الذي أجبرها على إعطاء الأولوية للإصلاحات الاقتصادية المحلية على المشاريع الدولية. وفي حين أن هناك إمكانية للتعاون بين الجزائر ومصر في قطاعات مثل الطاقة والبنية التحتية والبناء، فإن القيود المالية والافتقار إلى الصناعات التكميلية تجعل التكامل الاقتصادي العميق صعباً. كما يتعارض التركيز السياسي الداخلي في الجزائر على التنمية التي تقودها الدولة مع تفضيل مصر للنمو الذي يقوده القطاع الخاص، الأمر الذي يزيد من تعقيد التعاون الاقتصادي المحتمل.

لقد شكل اعتراف فرنسا بسيادة المغرب على الصحراء تحولا دبلوماسيا كبيرا وأثار ردود فعل متباينة على المستوى الدولي. فقد أبدى الحلفاء الغربيون، وخاصة الولايات المتحدة، علامات دعمهم لمقترح الحكم الذاتي المغربي للمنطقة، والذي يتماشى مع الموقف الذي تبنته فرنسا رسميا الآن. ومع ذلك، أدانت الجزائر بشدة موقف فرنسا، واعتبرته خيانة لمبادئ تقرير المصير ومناهضة الاستعمار.

كما أثار قرار فرنسا مخاوف داخل الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي، حيث تشكل قضية الصحراء المغربية موضوعا مثيرا للجدل. وفي حين تتفق بعض دول الاتحاد الأوروبي مع موقف فرنسا، تخشى دول أخرى أن يشجع الاعتراف الحركات الانفصالية على مستوى العالم. وبالنسبة للجزائر، يمثل اعتراف فرنسا انتكاسة كبيرة في دعمها لجبهة البوليساريو وقد يؤدي إلى تباطؤ العلاقات الجزائرية الفرنسية، مما قد يؤثر على التعاون الاقتصادي والأمني ​​بين البلدين.

إن تحالف الجزائر المتزايد مع روسيا وإيران قد يخلف العديد من التداعيات الاستراتيجية والاقتصادية على المنطقة وعلى علاقاتها مع الغرب. فمع كون الجزائر بالفعل مشترياً كبيراً للأسلحة الروسية، فإن التحالف الوثيق قد يعزز قدراتها الدفاعية، وخاصة في أنظمة الدفاع الجوي والصاروخي. ومع ذلك، فإن تعميق العلاقات مع موسكو وطهران قد يؤدي إلى توتر علاقات الجزائر مع حلفائها الغربيين، وخاصة مع الولايات المتحدة، التي كانت تاريخياً شريكاً رئيسياً للجزائر في مكافحة الإرهاب.

وعلاوة على ذلك، فإن التحالف مع المحور الروسي الإيراني قد يعزل الجزائر داخل جامعة الدول العربية، وخاصة في ضوء الدور المثير للجدل الذي تلعبه إيران في الصراعات الإقليمية في سوريا ولبنان واليمن. وتخشى أغلب الدول العربية، بما في ذلك مصر، نفوذ إيران في المنطقة وقد تنظر إلى التحالف الجزائري بعين الريبة والشك. وعلاوة على ذلك، فإن أي علاقة أعمق مع روسيا وإيران قد تعرض الجزائر لعقوبات غربية متزايدة، وخاصة من الولايات المتحدة، وهو ما قد يزيد من الضغوط على اقتصادها الضعيف بالفعل.

باختصار، تشير هذه القضايا السياسية والاقتصادية والدبلوماسية المتشابكة إلى علاقة معقدة وحذرة بين الجزائر ومصر. إن دعم الجزائر لجبهة البوليساريو، إلى جانب القيود الاقتصادية، وموقف مصر المحايد تجاه الصحراء المغربية، فرض قيودًا واضحة على شراكتهما. كما يتنقل البلدان عبر ديناميكيات جيوسياسية متغيرة، وخاصة في ضوء قبول المجتمع الدولي المتزايد لمطالبات المغرب بالصحراء الغربية، مما يعزل الجزائر دبلوماسيًا.

وعلاوة على ذلك، فإن تحول الجزائر نحو روسيا وإيران قد يزيد من عزلتها عن مصر وغيرها من دول شمال أفريقيا وجامعة الدول العربية التي تخشى النفوذ الإيراني. ويشكل هذا التوجه مخاطر ليس فقط على اقتصاد الجزائر، بل وأيضاً على تماسك المنظمات الإقليمية مثل الاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية. وقد تؤثر نتائج هذه التوجهات والنزاعات على السياسة في شمال أفريقيا، وخاصة فيما يتصل بالأمن والتكامل الإقليمي، لسنوات قادمة.

0 التعليقات: