مع استجابة الأسواق العالمية بسرعة لاحتمال عودة ترامب إلى المكتب البيضاوي، كان الحكم الأولي من وول ستريت على التكنولوجيا الأمريكية واضحًا وصريحًا: طفرة هائلة. ارتفعت أسهم الذكاء الاصطناعي والمركبات الكهربائية والعملات المشفرة، خاصة وأن شركات بارزة مثل إنفيديا وتيسلا شهدت مكاسب هائلة. احتفل المستثمرون بموجة متوقعة من إلغاء القيود التنظيمية وتوسع السوق الحرة. ولكن بينما كان المساهمون يحتفلون، فإن رئاسة ترامب الثانية تعد أيضًا بتحديات أعمق وعدم يقين لشركات التكنولوجيا العملاقة. من الضغوط الاحتكارية إلى المخاوف الأخلاقية بشأن الذكاء الاصطناعي ووسائل التواصل الاجتماعي، فإن تأثير إدارة ترامب على التكنولوجيا أكثر تعقيدًا مما يوحي به مجرد ارتفاع أسعار الأسهم.
في أعقاب إعلان إعادة
انتخاب ترامب الافتراضي مباشرة، أوضحت أسواق الأسهم موقفها. فقد ارتفعت أسهم شركة إنفيديا،
الرائدة في تكنولوجيا شرائح الذكاء الاصطناعي، إلى مستويات مرتفعة جديدة، في حين ارتفعت
أيضًا العملات المشفرة مثل البيتكوين، في إشارة إلى ثقة المستثمرين في اقتصاد رقمي
أقل تنظيمًا. وامتد هذا التفاؤل أيضًا إلى شركة تيسلا، التي شهدت ارتفاعًا بنحو
15٪ في سعر سهمها بعد أن أشار ترامب إلى رئيسها التنفيذي، إيلون ماسك، باعتباره
"عبقريًا خارقًا". لطالما كانت العلاقة بين ماسك وترامب موضع فضول، حيث يُعرف
كل من الشخصيتين بتجاوز الحدود والتمسك بآراء غير تقليدية.
ورغم أن المساهمين
يستمتعون بهذه المكاسب، فإن الفوائد قد لا تتسرب إلى السكان الأوسع نطاقا الذين يستخدمون
هذه التقنيات. ويواجه هؤلاء المستخدمون تداعيات أعمق، وخاصة فيما يتصل بالإدارة الأخلاقية
للذكاء الاصطناعي، واحتكارات السوق، وسياسات وسائل التواصل الاجتماعي. وعلى النقيض
من نمو أسعار الأسهم، تظل التأثيرات على الحياة الرقمية اليومية غير مؤكدة وقد تخلق
حتى تعقيدات لملايين المستخدمين.
لقد تبنى ترامب في
كثير من الأحيان فوائد الحد من الرقابة الحكومية، وتظل آراؤه مؤيدة للأعمال التجارية
بقوة، مؤكدة على الحد الأدنى من التنظيم والنمو الاقتصادي. ومن المرجح أن تشجع ولايته
الثانية على تحرير كبير للقيود التنظيمية عبر قطاعات التكنولوجيا، وربما التراجع عن
السياسات البيئية والعمالية أو الحد من الرقابة الفيدرالية على عمليات الدمج والاستحواذ
في مجال التكنولوجيا. وبالنسبة لشركات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي مثل إنفيديا،
قد يكون هذا سلاحا ذا حدين.
ورغم أن الشركات قد
تستفيد من القيود الأقل المفروضة على تطوير الذكاء الاصطناعي ونشره، فإن هذه الحرية
قد تؤدي أيضا إلى تسريع استخدام التقنيات غير المختبرة في التطبيقات الحساسة، من التعرف
على الوجه إلى استخراج البيانات. وفي غياب الرقابة الصارمة، قد يصبح الذكاء الاصطناعي
أكثر انتشارا، ويؤثر على كل شيء من ممارسات التوظيف إلى إنفاذ القانون. ومثل هذه التطورات،
على الرغم من كونها مثيرة للإعجاب، تثير قضايا أخلاقية حول التحيز والخصوصية والشفافية،
وخاصة في القطاعات التي تعاني بالفعل من مشاكل الثقة بين المستخدمين.
وعلاوة على ذلك، قد
يشعل مستقبل الذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة المنافسة مع القوى التكنولوجية العالمية،
وخاصة الصين، حيث تضمنت سياسات ترامب الخارجية تاريخيا الحماية التكنولوجية والتنافس
الاقتصادي. وقد يؤثر هذا "السباق" نحو الهيمنة على الذكاء الاصطناعي بدوره
على كيفية توجيه شركات التكنولوجيا للموارد، والاستثمار في المواهب، والتعامل مع الابتكار.
وبالتالي، فإن الاعتبارات الأخلاقية المحيطة بالاستخدام غير المقيد للذكاء الاصطناعي
تتطلب اهتماما دقيقا مع اقتراب الولايات المتحدة من تحرير القيود التنظيمية المحتملة
في ظل إدارة ترامب.
خلال الفترة الأولى
لترامب، أجرت وزارة العدل تحقيقات مختلفة في مجال مكافحة الاحتكار استهدفت لاعبين رئيسيين
مثل جوجل وآبل وأمازون. وإذا عاد ترامب إلى البيت الأبيض، فقد تواجه شركات التكنولوجيا
تدقيقًا مستمرًا أو متجددًا في مجال مكافحة الاحتكار، ولكن مع تطور غير متوقع.
في حين يتحدث ترامب
بصراحة عن استهداف الاحتكارات التكنولوجية، فإن علاقته ببعض قادة التكنولوجيا قد تعني
فرضًا انتقائيًا أو تحقيقات ذات دوافع سياسية. على سبيل المثال، لدى ترامب تاريخ معقد
مع شركات وسائل التواصل الاجتماعي، وخاصة تلك التي يرى أنها تفرض الرقابة على الأصوات
المحافظة. قد تشهد فترة ولايته الثانية دفعة متجددة لإصلاح المادة 230 من قانون آداب
الاتصالات، والتي تحمي منصات التواصل الاجتماعي من المسؤولية عن المحتوى الذي ينشئه
المستخدمون. من خلال إعادة النظر في هذا التشريع، يمكن لترامب تغيير المشهد الاجتماعي
بشكل أساسي، وإجبار المنصات على مراقبة المحتوى أو فرض الرقابة عليه بشكل أكثر نشاطًا
أو على العكس من ذلك، تقليل التزاماتها والسماح بحرية أكبر للخطاب المثير للجدل.
إن هذه التحركات من
شأنها أن تخلف عواقب كبيرة على قواعد مستخدمي شركات التكنولوجيا العملاقة وعملياتها
في السوق. على سبيل المثال، إذا واجهت فيسبوك وجوجل عقوبات أو أوامر بسحب أجزاء من
أعمالهما بموجب قانون مكافحة الاحتكار، فقد يشهد المستخدمون إعادة تشكيل هذه المنصات،
وربما مع خيارات أكبر ومنافسة في الفضاء الرقمي. وعلى العكس من ذلك، فإن فرض القانون
بدوافع سياسية قد يخنق المنافسة أو يرسخ السلطة بين حلفاء مختارين، مما يخلق بيئة غير
متوقعة للمستخدمين والشركات التكنولوجية الأصغر حجما.
وسائل التواصل الاجتماعي
والإدراك العام: العامل "X"
ومن المرجح أن يكون
أحد التأثيرات المباشرة على مستخدمي التكنولوجيا اليوميين محسوسًا على موقع X (الذي كان يُعرف سابقًا باسم
تويتر) الذي يملكه إيلون ماسك. وكان ترامب صريحًا بشأن انحيازه إلى ماسك، بل وأشاد
به لتوفيره منصة "محايدة" للتواصل الاجتماعي. ولا شك أن ملكية ماسك لموقع X ستستفيد من تفضيل إدارة ترامب للمنصات الرقمية
غير الخاضعة للرقابة، مما يسمح بحرية أكبر في التعبير، وهو ما يرحب به المحافظون غالبًا.
ولكن هذا التحول المحتمل
يثير معضلة لعشرات الملايين من مستخدمي X،
وخاصة أولئك الذين يخشون المنصات المملوكة لشخصيات مرتبطة بمواقف سياسية مثيرة للجدال.
وقد تشجع إدارة ترامب X على التحول
نحو منصة تجتذب محتوى أكثر استقطابا، مما قد يحد من جاذبيتها بين المستخدمين المعتدلين
أو ذوي الميول الليبرالية. وقد يؤدي هذا الخطر إلى بيئة يُنظر فيها إلى X على أنها معقل محافظ، مما يقوض جاذبيتها الواسعة
النطاق والعابرة للسياسات وربما يضر بثقة المستخدمين.
إن السياسة الخارجية
التي ينتهجها ترامب، وخاصة فيما يتصل بالصين، قد تضع شركات التكنولوجيا الأميركية في
مواقف صعبة في الأسواق العالمية. فخلال ولايته الأولى، تحرك ترامب لفصل التكنولوجيا
الأميركية عن النفوذ الصيني، مما أدى إلى فرض قيود تجارية وحظر بعض شركات التكنولوجيا
والتطبيقات الصينية. وقد تجلب ولايته الثانية المزيد من العزلة التكنولوجية، مع ما
يترتب على ذلك من آثار على أمن البيانات وسلاسل التوريد والتعاون عبر الحدود.
ورغم أن مثل هذه السياسات
الانعزالية قد تتوافق مع أهداف الأمن السيبراني الأميركية، فإنها قد تؤدي أيضا إلى
عواقب غير مقصودة، مثل تباطؤ الابتكار، وارتفاع أسعار المستهلك، وتوتر الشراكات العالمية.
وإذا أعادت إدارة ترامب فرض الحواجز التجارية مع الصين، فقد تشهد الشركات التكنولوجية
الأميركية التي تعتمد على سلاسل التوريد الدولية للمكونات ارتفاع تكاليف الإنتاج، مما
يؤثر على كل شيء من أسعار الهواتف الذكية إلى خدمات الحوسبة السحابية. وعلاوة على ذلك،
فإن القيود المفروضة على تبادل البيانات والتعاون مع الباحثين التقنيين الأجانب قد
تمنع الشركات الأميركية من الحفاظ على قدرتها التنافسية على الساحة العالمية.
إن رئاسة ترامب الثانية
تعد بتأثير معقد ومتعدد الأوجه على المشهد التكنولوجي في أمريكا. وفي حين تكشف ارتفاعات
الأسهم الأولية عن تفاؤل السوق، فإن الطريق إلى الأمام مليء بالتحديات وعدم اليقين.
من تخفيف القيود التنظيمية على الذكاء الاصطناعي إلى إصلاح سياسات مكافحة الاحتكار
وإعادة تعريف معايير وسائل التواصل الاجتماعي، فإن نهج ترامب في التعامل مع التكنولوجيا
سوف يتميز بالتحيز لصالح الأعمال التجارية، والدوافع السياسية، والدافع المحتمل للعزلة
التكنولوجية الدولية.
والسؤال إذن هو ما
إذا كانت هذه السياسات من شأنها أن تفيد مستخدمي التكنولوجيا العاديين وتعزز الإبداع
أم أنها من شأنها أن تعزز القوة بين أباطرة التكنولوجيا وتزيد من تفاقم الانقسامات
الرقمية. ومع وجود قطاع التكنولوجيا الأميركي في طليعة الإبداع العالمي، فإن الاتجاه
الذي قد تتخذه سياسات ترامب قد يخلف عواقب بعيدة المدى ــ ليس فقط بالنسبة لوادي السليكون
بل وأيضا لمستخدمي التكنولوجيا في مختلف أنحاء العالم.
0 التعليقات:
إرسال تعليق