في خطوة تمثل تحولاً كبيراً في موقفه من حقوق الإنسان، صوت المغرب في 17 ديسمبر 2024 لصالح مشروع قرار للجمعية العامة للأمم المتحدة يدعو إلى وقف كوني لعقوبة الإعدام. وتأتي هذه الخطوة بعد سنوات من الامتناع عن التصويت على قرارات مماثلة، مما يشير إلى لحظة تحولية في منهج المملكة تجاه حقوق الإنسان والعدالة.
لقد تم التصويت داخل اللجنة الثالثة للجمعية العامة للأمم المتحدة، وهي هيئة مكلفة بمعالجة القضايا الاجتماعية والإنسانية وحقوق الإنسان التي تؤثر على سكان العالم. ورغم أن مشروع القرار غير ملزم، إلا أنه يشكل جزء من جهود واسعة لتشجيع الدول على إعادة النظر في تنفيذ عقوبة الإعدام، بهدف مواءمة أنظمة العدالة مع المعايير العالمية المتطورة.
تاريخيًا، كان موقف المغرب من عقوبة الإعدام معقدًا، ويشكله إطاره القانوني
وتقاليده الإسلامية وسياقه الاجتماعي والسياسي. في حين حافظ على وقف فعلي لتنفيذ أحكام
الإعدام منذ عام 1993، فإن عقوبة الإعدام لا تزال قانونية بالنسبة لبعض الجرائم المعينة.
وقد وضع هذا الغموض الطويل الأمد المغرب عند مفترق طرق بين الدعوة الدولية لحقوق الإنسان
والاعتبارات الثقافية والدينية المحلية.
ومن خلال التصويت لصالح القرار، اتخذ المغرب خطوة تدعو إلى التدقيق والمناقشة
عبر جبهات متعددة حيث يثير القرار أسئلة جوهرية حول تأثيره المحتمل على معدلات الجريمة،
وصداه مع القواعد الأخلاقية الإسلامية، والحسابات السياسية للحكومة المغربية. يقدم
كل من هذه الأبعاد مجهرا يمكن من خلاله فهم الآثار الشاملة لهذا التصويت التاريخي.
تتمثل إحدى القضايا الأكثر إلحاحًا وإثارة للجدل المرتبطة بتصويت المغرب في
تأثيره المحتمل على معدلات الجريمة ونظام العدالة إذ يزعم المدافعون عن إلغاء عقوبة
الإعدام أنها لا تعمل كرادع للجريمة، مستشهدين بأبحاث عالمية واسعة النطاق تشير إلى
عدم وجود علاقة بين وجود عقوبة الإعدام وانخفاض معدلات الجريمة. لكن المنتقدين يخشون
أن يؤدي إلغاء هذا الشكل النهائي من العقوبة إلى تشجيع السلوك الإجرامي، وخاصة في حالات
الجرائم البشعة مثل الإرهاب والقتل العمد.
لقد عكس الإطار القانوني المغربي منذ فترة طويلة ازدواجية ــ الاحتفاظ بعقوبة
الإعدام كرادع رمزي مع الامتناع عن تطبيقها. وقد سمحت هذه الاستراتيجية للحكومة بتبني
موقف صارم بشأن الجريمة دون تجاوز الحدود الأخلاقية المرتبطة بالإعدامات. ومن خلال
التوافق مع وقف تنفيذ عقوبة الإعدام على مستوى العالم، يشير المغرب إلى التزامه بمنهج
تأهيلي للعدالة، مما قد يؤدي إلى إعادة توجيه التركيز نحو معالجة الأسباب الجذرية للجريمة،
مثل الفقر وعدم المساواة وأنظمة الدعم الاجتماعي غير الكافية.
إن مسألة كيفية توافق هذا القرار مع المرجعية الإسلامية تشكل مجالاً آخر بالغ
الأهمية للتحليل. فالفقه الإسلامي يسمح تقليديا بعقوبة الإعدام في بعض الجرائم المحددة،
شريطة استيفاء الضمانات الإثباتية والإجرائية الصارمة. وباعتباره دولة حيث تشكل القيم
الإسلامية كثيرا من المعايير القانونية والسوسيوثقافية، فإن تأييد المغرب لوقف تنفيذ
عقوبة الإعدام يثير أسئلة معقدة حول التوفيق بين المبادئ الدينية ومعايير حقوق الإنسان
الكونية المتطورة.
ويعكس هذا القرار التفاعل الدقيق بين الهوية الدينية للمغرب وتطلعاته إلى التكامل
العالمي. ومن خلال دعم القرار، يبدو أن الحكومة المغربية تؤكد على المبادئ الإسلامية
للرحمة والشفقة واحترام الحق في الحياة، مع الاعتراف في الوقت نفسه بالتوقعات المتغيرة
للمجتمع الدولي. ويمكن النظر إلى هذه الخطوة باعتبارها جهداً لإعادة تفسير التعاليم
الإسلامية بطريقة تنسجم مع خطاب حقوق الإنسان المعاصر في رؤيتها الكونية ، وهو عمل
متوازن قد يتردد صداه لدى شرائح تقدمية من المجتمع ولكنه قد يثير المقاومة بين الفصائل
المحافظة.
من الناحية السياسية، تحمل شجاعة التصويت لصالح القرار تداعيات كبيرة على الحكومة
المغربية. وعلى الساحة الدولية، يضع المغرب في موقف دولة متقدمة ملتزمة بدعم معايير
حقوق الإنسان العالمية. ومن شأن هذا التوافق أن يعزز علاقاتها الدبلوماسية، وخاصة مع
الدول الأوروبية والغربية التي طالما دافعت عن إلغاء عقوبة الإعدام.
ولكن على الصعيد المحلي، قد يثبت القرار أنه أكثر إثارة للانقسام. فالرأي العام
بشأن عقوبة الإعدام لا يزال منقسما في المغرب، حيث يؤيد العديد من المواطنين الإبقاء
عليها في حالة الجرائم الخطيرة. وقد يُنظَر إلى قرار الحكومة بتأييد وقف مؤقت لعقوبة
الإعدام باعتباره محاولة لاسترضاء الجهات الفاعلة الدولية على حساب الأولويات المحلية،
وهو ما قد يؤدي إلى تنفير قطاعات من السكان الذين ينظرون إلى عقوبة الإعدام باعتبارها
أداة حيوية للعدالة وجزر منسوب جرائم القتل الخطيرة.
وإذا كان المغرب يعيش تحولا تاريخيا وحقوقيا في أعقاب هذا التصويت التاريخي،
فإن التحدي يكمن في ترجمة هذه المبادرة الرمزية إلى إصلاحات جوهرية. وسواء من خلال
العمل التشريعي لإلغاء عقوبة الإعدام رسميا، أو الاستثمار في نظام العدالة لإعطاء الأولوية
لإعادة التأهيل على الانتقام، أو الجهود الرامية إلى تعزيز الحوار العام حول قيمة الحياة
البشرية، فإن الطريق إلى الأمام سوف يتطلب صنع سياسات دقيقة وشاملة.
إن هذا التصويت، على الرغم من أنه غير ملزم، يمتلك القدرة على العمل كمحفز لتحولات
مجتمعية على نطاق واسع . ومن خلال اغتنام هذه الفرصة، يمكن للمغرب أن يضع نفسه كقائد
في المنطقة، ويدافع عن رؤية للعدالة تعطي الأولوية للإنسانية والكرامة. وفي الوقت نفسه،
يجب عليه أن يعالج المخاوف المشروعة لمواطنيه، وضمان ألا يأتي السعي إلى تحقيق الإشادة
الدولية على حساب التماسك الوطني.
0 التعليقات:
إرسال تعليق