الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الاثنين، ديسمبر 30، 2024

المحرك الاقتصادي والدبلوماسي وراء استراتيجية المغرب في الصحراء: عبده حقي


مع اقتراب عام 2024 من نهايته، تظل مطالبة المغرب بالصحراء المغربية معززة، مما يمثل لحظة محورية في تاريخ الأمة ومسارها الدبلوماسي. إن تطور هذه السيادة، المدعوم بالتخطيط الاستراتيجي والاستثمار الاقتصادي والدبلوماسية الدولية، لا يسلط الضوء على طموحات المغرب فحسب، بل وأيضًا على الديناميكيات المتغيرة للتحالفات الجيوسياسية في المنطقة.

منذ اقترح المغرب خطته للحكم الذاتي للصحراء المغربية على الأمم المتحدة في عام 2007، تحولت وجهات النظر العالمية بشأن الصراع تدريجيًا لصالحه. وقد حظيت الخطة، التي وصفها ممثلون دوليون بارزون بأنها "جدية وموثوقة"، بدعم كبير. فقد أيدت الولايات المتحدة وفرنسا وإسبانيا وألمانيا، من بين دول أخرى، إطار المغرب كمسار واقعي لحل أحد أطول النزاعات في أفريقيا. إن هذا التأييد يشير إلى إعادة معايرة كبيرة للمواقف العالمية تجاه صراع الصحراء المغربية، حيث كان الجمود في كثير من الأحيان ساحة معركة بالوكالة لتنافسات أيديولوجية واستراتيجية أكبر.

كان أحد أبرز إنجازات المغرب في السنوات الأخيرة إنشاء 29 قنصلية في العيون والداخلة، المدن الرئيسية في الصحراء المغربية. تشير هذه البعثات الدبلوماسية، التي تمثل الدول الأفريقية والشرق الأوسط ومنطقة البحر الكاريبي، إلى اعتراف دولي متزايد بالسيادة المغربية على المنطقة. إن الآثار الاستراتيجية لمثل هذا التأييد تمتد إلى ما هو أبعد من مجرد الرمزية؛ فهي تعكس الجهود الدبلوماسية المدروسة التي تقودها الرباط لتطبيع سلطتها على الصحراء على الساحة العالمية.

كان دور فرنسا، العضو الدائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، جديرًا بالملاحظة بشكل خاص. من خلال دعم المطالب الإقليمية للمغرب باستمرار، عملت فرنسا كمؤشر للدول الأوروبية الأخرى، مما قد يشجعها على الانحياز إلى موقف المغرب. إن هذا التوافق يشير إلى تحولات على أوسع نطاق في السياسة الخارجية الأوروبية، حيث اكتسبت الشراكات الاقتصادية والأمنية مع المغرب الأسبقية على التصلب الإيديولوجي. وكما يلاحظ المؤرخ فؤاد العروي في تحليله للعلاقات المغربية الأوروبية، فإن مثل هذه الشراكات غالبا ما تتطور من مواقف براجماتية وليس عقائدية بشأن سلامة الأراضي.

كان من بين العناصر الأساسية لاستراتيجية المغرب قيادة الملك محمد السادس حيث تتردد خطاباته بنبرة من العزم الراسخ، مؤكدا رفض المغرب للتنازل عن "شبرواحد" من سلامة أراضيه. وفي مخاطبته للمجتمع الدولي، أكد الملك على ضرورة اتخاذ إجراءات حاسمة من جانب الأمم المتحدة، وحثها على مواجهة الطبيعة المطولة للنزاع. وفي الوقت نفسه، تؤكد انتقاداته للدول التي تدعم الحركات الانفصالية على مبدأ دبلوماسي أوسع: إن سعي المغرب إلى السيادة ليس مجرد قضية داخلية بل هو اختبار للالتزامات الدولية بالاستقرار والحل القانوني للصراعات.

يعكس خطاب الملك محمد السادس مزيجًا ماهرًا بين الشرعية التاريخية والضرورات السياسية الحديثة. من خلال استحضار الروابط التاريخية للمغرب بالصحراء، يؤطر خطاباته الصراع باعتباره استمرارًا لنضالات الحقبة الاستعمارية، وبالتالي يناشد التضامن الأفريقي في حين يعارض روايات التدخل الخارجي. يعكس الاستخدام الاستراتيجي للملك للغة ما يصفه المنظر السياسي بنديكت أندرسون بـ "المجتمعات المتخيلة" - حيث يتم بناء الوحدة الوطنية من خلال التاريخ والتطلعات المشتركة.

وبعيدًا عن المناورات الدبلوماسية، فقد حولت استثمارات المغرب في الصحراء المغربية المنطقة إلى نقطة محورية للتحديث الاقتصادي. ويوضح بناء البنية الأساسية الحيوية، مثل ميناء الداخلة والطريق السريع تزنيت-الداخلة، التزام المغرب بدمج المنطقة في الاقتصاد الوطني. ولا تعد هذه المشاريع تنموية فحسب، بل إنها استراتيجية، وتهدف إلى وضع الصحراء المغربية كبوابة بين أفريقيا وأوروبا.

تشكل مبادرات الزراعة وصيد الأسماك والطاقة المتجددة العمود الفقري لهذا التحول الاقتصادي. ومن خلال تعزيز الصناعات المحلية وجذب الاستثمار الأجنبي، يسعى المغرب إلى إنشاء نظام بيئي اقتصادي مستدام ذاتيًا في المنطقة. ويتماشى هذا المنهج مع مبادئ الاقتصاد التنموي، التي تزعم أن الاستقرار السياسي مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالازدهار الاقتصادي. ومن خلال ضمان شعور السكان المحليين بفوائد السيادة بشكل ملموس، يتصدى المغرب بفعالية للخطابات الانفصالية التي تعتمد على تصوير الدولة على أنها مهملة أو استغلالية.

إن ميناء الداخلة، على وجه الخصوص، يرمز إلى تطلعات المغرب إلى الهيمنة على طرق التجارة الإقليمية. فهو يتمتع بموقع استراتيجي على ساحل المحيط الأطلسي، ويخدم كمركز لوجستي يربط أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى بالأسواق العالمية. ويعكس هذا الطموح أعمال الاستراتيجيين الجيوسياسيين مثل هالفورد ماكيندر، الذي افترض أن الاتصال الاقتصادي أمر حيوي لقوة الدولة مثل القوة العسكرية.

إن توطيد المغرب لسيادته على الصحراء المغربية له آثار تتجاوز حدوده بكثير. فعلى المستوى الإقليمي، أدى ذلك إلى تكثيف التنافس بين المغرب والجزائر، حيث تعد الأخيرة من أشد المؤيدين لجبهة البوليساريو. ويؤكد هذا التنافس، الذي يتجذر بعمق في التوترات التاريخية والانقسامات الإيديولوجية، على الطبيعة المجزأة للسياسة في شمال إفريقيا. ويزعم علماء مثل يحيى الزبير أن هذا التفتت أعاق جهود التكامل الإقليمي مثل اتحاد المغرب العربي، حيث تفوق الخلافات الإيديولوجية في كثير من الأحيان الحوافز الاقتصادية.

على نطاق عالمي، يعمل نجاح المغرب في الصحراء كدراسة حالة في قوة الدبلوماسية الاستراتيجية والحكم الاقتصادي. ويسلط الضوء على فعالية الاستفادة من التحالفات الدولية والروايات التاريخية والإنجازات التنموية الملموسة لحل النزاعات الإقليمية. وبينما يتصارع العالم مع الصراعات الناشئة حول الموارد والحدود وتقرير المصير، فإن منهج المغرب قد يقدم دروسًا للدول الأخرى التي تبحر في تحديات مماثلة.

يمثل توطيد السيادة المغربية على الصحراء المغربية لحظة فاصلة في تاريخ الأمة الحديث. فهو لا يعكس انتصارًا للدبلوماسية الاستراتيجية فحسب، بل إنه أيضًا شهادة على التفاعل الدائم بين المطالب التاريخية والجغرافيا السياسية المعاصرة. ومن خلال الجمع بين التنمية الاقتصادية والمشاركة الدولية، رسم المغرب مسارًا يتجاوز النماذج التقليدية للنزاعات الإقليمية. ومن خلال القيام بذلك، فإنها لم تعيد تشكيل مصيرها الوطني فحسب، بل وأرست أيضاً سابقة لكيفية تعامل الدول مع تعقيدات الجغرافيا السياسية في القرن الحادي والعشرين.

0 التعليقات: