الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الأربعاء، ديسمبر 18، 2024

اعتقال بوعلام صنصال: اشتعال التوتر في العلاقات الجزائرية الفرنسية: عبده حقي


لقد أشعل اعتقال بوعلام صنصال، الكاتب الفرنسي الجزائري الشهير، وإدخاله المستشفى، نقاشات جديدة حول المناخ السياسي في الجزائر وعلاقتها المتوترة مع فرنسا. والآن يجد صنصال، المعروف بموقفه النقدي من الاستبداد واستكشافاته الأدبية للهوية والتوترات التي نشأت بعد الاستعمار، نفسه في قلب جدل دبلوماسي وحقوقي يتجاوز الحدود.

تم اعتقال صنصال في مطار الجزائر الدولي في منتصف نوفمبربتهمة ارتكاب أفعال تعتبر تهديداً لـ"أمن الدولة" في الجزائر. وتشمل التهم، التي تستند إلى المادة 87 من قانون العقوبات الجزائري، الإرهاب والتخريب وأي عمل من شأنه المساس بالوحدة الوطنية أو سلامة الأراضي. ويزعم المنتقدون أن هذه الاتهامات الواسعة النطاق تُستخدم بشكل متزايد لقمع المعارضة وإسكات المثقفين، مما يثير مخاوف داخل منظمات حقوق الإنسان الدولية.

وتكشف التقارير عن حالة صنصال عن خطورة وضعه الصحي . فوفقاً لأنطوان غاليمار، الرئيس التنفيذي لدار نشر غاليمار، وفرانسوا زيمراي، المستشار القانوني لصنسانال، تم نقل المؤلف البالغ من العمر 80 عاماً إلى وحدة طبية داخل مستشفى بالجزائر العاصمة. وهذه هي المرة الثانية التي تستلزم فيها مخاوفه الصحية مثل هذه الخطوة، مما يسلط الضوء على حالته الهشة وخطورة سجنه. ووصف زيمراي عملية النقل بأنها اعتراف بتدهور صحة صنصال، مؤكداً أن أي نتيجة سلبية قد يكون لها عواقب سياسية كبيرة على السلطات الجزائرية.

إن مشاكل صنصال الصحية تضيف طبقة من الإلحاح إلى قضيته، التي استحوذت بالفعل على اهتمام واسع النطاق. وخلال فعالية تضامنية أقيمت في باريس، حضرها كتاب وناشطون وشخصيات عامة، أدان أنصاره طريقة التعامل مع قضيته. ومن الجدير بالذكر أن الكاتب الجزائري كمال داود، الحائز على جائزة غونكور لعام 2024، ورئيس الوزراء الفرنسي السابق برنار كازنوف، انضما إلى الدعوة للإفراج الفوري عن صنصال، وهو ما يؤكد على العواقب العابرة للحدود الوطنية المترتبة على احتجازه.

كما يكشف الجدل عن خطوط صدع جيوسياسية أوسع نطاقا. فقد جاء اعتقال صنصال بعد وقت قصير من إدلائه بتعليقات لصحيفة فرونتييه، وهي وسيلة إعلامية فرنسية، أكد فيها أن أجزاء من الجزائر الحديثة كانت في الأصل أراض مغربية تم التنازل عنها أثناء الحكم الاستعماري الفرنسي. وقد أثارت هذه التصريحات، التي تم تفسيرها على أنها تتماشى مع المطالبات الإقليمية المغربية، غضب السلطات الجزائرية، التي تعتبرها تقوض الوحدة الوطنية. والتوقيت حساس بشكل خاص بالنظر إلى العلاقات المتوترة بين الجزائر والمغرب، والتي تفاقمت بسبب النزاع المستمر حول الصحراء الغربية واتهامات الجزائر بالتجسس المغربي.

بالنسبة للجزائر، شكلت تعليقات صنصال تهديدا مزدوجا: تحدي مباشر لسلامتها الإقليمية وإهانة رمزية لسيادتها. ومع ذلك، فإن رد الفعل على هذه التصريحات، بما في ذلك استدعاء تهم تتعلق بالإرهاب، يكشف عن نمط أوسع. لقد استخدمت السلطات الجزائرية قوانين الأمن القومي بشكل متزايد لقمع المعارضة، مما يقارن ذلك بأنظمة استبدادية أخرى في المنطقة. ويزعم المنتقدون أن استهداف المثقفين مثل صنصال يعكس خوفًا أوسع نطاقًا من المناقشة المفتوحة وعدم الرغبة في التعامل مع السرديات التاريخية غير المريحة.

في فرنسا، أدى احتجاز صنصال إلى زيادة التوتر في العلاقة الهشة بالفعل بين باريس والجزائر. تتقاسم الدولتان تاريخًا معقدًا يتميز بالاستعمار ونضالات التحرير والنزاعات المستمرة حول الهجرة والذاكرة التاريخية. يتأرجح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بين جهود المصالحة والنقد الحاد للمشهد السياسي في الجزائر، مما يعكس التوترات الدائمة التي تشكل العلاقات الثنائية. وبالتالي، تعمل قضية صنصال كأعراض ومحفز لهذه العلاقات المتوترة.

إن البعد القانوني لقضية صنصال يؤكد على غموض وتعسف نظام العدالة الجزائري حيث رفضت محكمة الاستئناف مؤخرًا طلبًا بالإفراج عنه، دون تقديم أي تفسير لفريق الدفاع عنه. يزعم المنتقدون أن مثل هذه الممارسات تقوض سيادة القانون وتساهم في عزلة الجزائر الدولية. وعلاوة على ذلك، فإن تقدم سن صنصال وسوء حالته الصحية يزيدان من المخاوف بشأن معاملته، حيث حث زيمراي السلطات الجزائرية على التصرف "بإنسانية ولياقة".

لا يمكن تجاهل الأبعاد الثقافية والفكرية لسجن صنصال. بصفته مؤلفًا لأعمال مشهورة مثل "قسم البرابرة" و"2084: نهاية العالم"، كان صنصال شخصية مثيرة للجدل في الجزائر لفترة طويلة. وقد أكسبته انتقاداته للتطرف الديني والفساد الحكومي والقومية الاستحسان والعداء. وقد تم الاحتفاء بعمله في فرنسا وأجزاء أخرى من العالم، ولكن غالبًا ما تم حظره أو انتقاده في الجزائر، حيث يُنظر إلى آرائه الصريحة على أنها تقوض التماسك الوطني.

وبعيدًا عن تفاصيل قضيته ، يسلط سجنه الضوء على الوضع الهش للمثقفين في الجزائر وفي جميع أنحاء المنطقة. في السنوات الأخيرة، واجه العديد من الصحفيين والناشطين والكتاب المضايقات والاعتقال أو المنفى لتحديهم الروايات الرسمية. يعكس هذا النمط تآكلًا أوسع للحريات يهدد بخنق الحياة الثقافية والفكرية النابضة بالحياة التي اشتهرت بها المنطقة ذات يوم.

لقد حشدت محنة الكاتب صنصال التضامن الدولي، حيث امتدت الدعوات للإفراج عنه إلى ما هو أبعد من الدوائر الأدبية والدبلوماسية. وتشكل قضيته اختباراً حاسماً لالتزام الجزائر بحقوق الإنسان وقدرتها على التعامل مع المعارضة دون اللجوء إلى القمع. وبالنسبة لفرنسا، فإن القضية بمثابة تذكير بعلاقاتها المعقدة مع مستعمرتها السابقة، والتي لا تزال تشكل سياستها الخارجية ومناقشاتها الداخلية بشأن الهجرة والتكامل.

وفي حين ينتظر المجتمع الدولي المزيد من التطورات، تثير قضية صنصال أسئلة ملحة حول حدود سلطة الدولة، ودور المثقفين في المجتمع، ومسؤولية الحكومات عن دعم الحريات الأساسية. وما إذا كان سجنه سيؤدي إلى حوار هادف أو سيعمق الانقسامات داخل المجتمع الجزائري يبقى أمراً غير واضح. ولكن من الواضح أن صوت صنصال، الذي تم إسكاته داخل حدود الجزائر، لا يزال يتردد صداه على الساحة العالمية، مما يفرض علينا إعادة النظر في قضايا العدالة والهوية والذاكرة التاريخية.

0 التعليقات: