الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الأربعاء، يناير 08، 2025

كأس العالم 2030: عامل تغيير للنمو الاقتصادي والشعور بالرفاهية: عبده حقي


إن كأس العالم لكرة القدم 2030، المقرر أن تستضيفها المغرب وإسبانيا والبرتغال بشكل مشترك، تعد بإعادة تعريف المشهد الرياضي العالمي برمته . وبفضل بنيتها المبتكرة وتخطيطها الدقيق، من المتوقع أن تكون هذه البطولة الأكثر فعالية من حيث التكلفة في تاريخ المسابقة. وبصرف النظر عن جدواها الاقتصادية، من المتوقع أن تحفز التغييرات التحويلية في الصناعات الرياضية للدول المضيفة، مما يقدم تأثيرًا عميقًا على النمو الاقتصادي وخلق فرص العمل والرفاهية المجتمعية.

على عكس الإصدارات السابقة، تستفيد كأس العالم 2030 من البنية التحتية القائمة مسبقًا في البلدان المضيفة الثلاثة، مما يقلل بشكل كبير من العبء المالي المرتبط غالبًا بمثل هذه الأحداث الضخمة. ووفقًا لتقارير حديثة، فإن المغرب سوف يبني ملعبًا جديدًا واحدًا فقط - ملعب الحسن الثاني في بنسليمان - لاستكمال مرافقه الحالية. وعلى نحو مماثل، سوف تعمل إسبانيا والبرتغال، بما تتمتعان به من بنية تحتية رياضية قوية، على تكييف مواردهما الحالية لتلبية متطلبات الاتحاد الدولي لكرة القدم.

ويمثل هذا المنهج العملي انحرافاً كبيراً عن النفقات الباهظة التي أنفقت في البطولات السابقة، مثل كأس العالم 2014 في البرازيل، والتي بلغت تكلفتها أكثر من 15 مليار دولار أميركي. ومن خلال إعطاء الأولوية للاستدامة وتحسين الموارد، يؤكد عرض المغرب وإسبانيا والبرتغال على الالتزام بالحوكمة المالية دون المساس بنجاح وجودة الحدث. وفي عمله الرائد "السيرك الأكبر: المقامرة الاقتصادية وراء استضافة الألعاب الأوليمبية وكأس العالم"، ينتقد الخبير الاقتصادي أندرو زيمباليست التجاوزات الاقتصادية للدول المضيفة السابقة، مشيراً إلى كيف أن مثل هذه الأحداث غالباً ما تترك الدول تكافح الديون. ولكن يبدو أن نموذج 2030 ينحرف عن هذا الاتجاه، ويضع نفسه كدراسة حالة في الاستضافة المسؤولة.

إن التأثيرات المتتالية لاستضافة كأس العالم تمتد إلى ما هو أبعد من الملاعب والساحات. بالنسبة للمغرب وإسبانيا والبرتغال، تمثل البطولة فرصة ذهبية لتعزيز اقتصاداتها من خلال زيادة السياحة، وترقية البنية الأساسية، والشهرة العالمية . على سبيل المثال، حددت الحكومة المغربية كأس العالم كحجر الزاوية في استراتيجيتها للتنمية الاقتصادية، بهدف جذب ملايين الزوار ورفع مكانتها العالمية.

من المتوقع أن تشهد السياحة - وهي بالفعل قطاع حيوي لهذه الدول - طفرة. ومن المرجح أن تشهد المغرب، المعروفة بتراثها الثقافي الغني ومناظرها الطبيعية الخلابة، تدفقًا كبيرًا من الزوار الدوليين. وهذا يتماشى مع نتائج *دليل أكسفورد لاقتصاديات الرياضة*، الذي يسلط الضوء على الارتباط الإيجابي بين الأحداث الكبرى ونمو السياحة. تشمل المكاسب الاقتصادية المتوقعة زيادة الإيرادات للفنادق والمطاعم والشركات المحلية، مما يخلق تأثيرًا عبر مختلف القطاعات.

وعلاوة على ذلك، سوف تولد البطولة فرص عمل كبيرة. فمن عمال البناء الذين يبنون الاستاد الجديد في بنسليمان إلى موظفي الضيافة الذين يستوعبون تدفق المشجعين، من المقرر أن تخلق كأس العالم عشرات الآلاف من الوظائف. وهذا يتماشى مع مفهوم "التأثير المضاعف" في الاقتصاد، حيث يحفز الإنفاق الأولي في قطاع واحد النشاط في قطاعات أخرى، مما يعزز في نهاية المطاف الناتج الاقتصادي الإجمالي.

بخلاف الفوائد الاقتصادية، تمتلك كأس العالم 2030 القدرة على رفع مستوى الرفاهية المجتمعية. البطولة أكثر من مجرد سلسلة من المباريات؛ إنها ظاهرة ثقافية توحد الناس عبر الحدود، وتعزز الشعور بالهوية المشتركة. في عصر يتميز بالتوترات الجيوسياسية وعدم اليقين الاقتصادي، لا يمكن المبالغة في رمزية ثلاث دول - اثنتان أوروبيتان وواحدة أفريقية - تتعاون في مثل هذا الحدث الضخم.

وقد سلطت الدراسات في علم النفس الرياضي الضوء على الارتباط بين الأحداث الرياضية الكبرى وزيادة مستويات الرفاهية بين المواطنين. إن "عامل الشعور بالرفاهية" المرتبط بمثل هذه الأحداث ينبع من شعور جماعي بالفخر والاعتزاز والإثارة، والذي يترجم غالبًا إلى تحسن الصحة العقلية والتماسك الاجتماعي. إن مشاركة المغرب كمضيف، إلى جانب إسبانيا والبرتغال، تؤكد على قوة الرياضة في تجاوز الحدود الثقافية والجغرافية، وتوحيد السكان المتنوعين تحت راية مشتركة.

إن المنهج المبتكر لكأس العالم 2030 يمكن أن يكون بمثابة مخطط للأحداث الكبرى المستقبلية. من خلال التركيز على الاستدامة والعقلانية الاقتصادية، فإنه يتحدى الفكرة التقليدية القائلة بأن استضافة مثل هذه الأحداث تتطلب إنفاقًا مفرطًا وضغطًا على الموارد. بدلاً من ذلك، يدعو إلى نموذج يتم فيه تحسين الأصول الموجودة، وتوزيع الفوائد بشكل عادل بين جميع أصحاب المصلحة.

إن الطبيعة التعاونية لملف المغرب وإسبانيا والبرتغال تعكس أيضًا اتجاهًا متزايدًا نحو مسؤوليات الاستضافة المشتركة، كما هو الحال في كأس العالم 2026 القادمة التي تستضيفها الولايات المتحدة وكندا والمكسيك. إن مثل هذه الترتيبات لا توزع التكاليف بشكل أكثر توازناً فحسب، بل إنها تعزز أيضاً التكامل والتعاون الإقليمي.

في حين أن التوقعات لكأس العالم 2030 إيجابية بشكل ساحق، إلا أن التحديات لا تزال قائمة. إن ضمان التنسيق المرن بين الدول المضيفة الثلاث سوف يتطلب تخطيطاً دقيقاً وهياكل حوكمة قوية. بالإضافة إلى ذلك، لا يمكن تجاهل التأثير البيئي لزيادة السياحة والبناء. ومن المرجح أن تلعب الدفعة الأخيرة من جانب الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) نحو بطولات خالية من الكربون دوراً محورياً في معالجة هذه المخاوف، حيث تسعى الدول المضيفة إلى تحقيق التوازن بين الطموحات الاقتصادية والمسؤوليات البيئية.

تقف كأس العالم لكرة القدم 2030 عند تقاطع التقاليد والابتكار، وتعد بأن تكون حدثاً تحويلياً يتجاوز حدود الرياضة. ومن خلال تبني الاستدامة، وتعزيز النمو الاقتصادي، وتوحيد الدول، فإنها تمثل منارة أمل وتقدم في عالم متزايد التعقيد. ومع اقتراب البطولة، فإنها بلا شك سوف تجذب خيال المليارات، وتترك علامة لا تمحى على تاريخ الرياضة العالمية والدول المضيفة على حد سواء.

0 التعليقات: