الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الأربعاء، فبراير 19، 2025

الثقة في الصحافة في عصر الذكاء الاصطناعي: تحديات وتطلعات: عبدو حقي

 في العقد الأخير، شهدت الساحة الإعلامية تحولًا جذريًا مع بروز تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي، مثل روبوتات الدردشة وأدوات توليد المحتوى المرئي والمسموع. هذا التطور السريع أثار تساؤلات جوهرية حول تأثير هذه التقنيات على ممارسات الصحافة التقليدية، ومدى ثقة الجمهور في المحتوى المُنتج بمساعدتها.

استخدامات الذكاء الاصطناعي في الصحافة: بين الكواليس والمقدمة

أظهر تقرير حديث، استند إلى ثلاث سنوات من الأبحاث في سبع دول، أن 25% فقط من المشاركين كانوا واثقين من تعرضهم لمحتوى أُنتج بواسطة الذكاء الاصطناعي في الصحافة، بينما ظل 50% منهم غير متأكدين أو مشككين في ذلك

. هذه الأرقام تسلط الضوء على فجوة في الشفافية بين المؤسسات الإعلامية وجمهورها، مما قد يؤدي إلى تآكل الثقة المتبادلة.

يُفضل الجمهور استخدام الذكاء الاصطناعي في المهام الخلفية، مثل نسخ المقابلات وتقديم مقترحات للتغطية، بدلاً من المهام التحريرية والإبداعية

. هذا التفضيل يعكس رغبة القراء في الحفاظ على اللمسة البشرية في المحتوى الإخباري، حيث يُعتبر العنصر البشري جوهريًا في نقل الخبر وتحليله.

التحديات الأخلاقية والمهنية: بين الدقة والتحيز

استخدام الذكاء الاصطناعي في الصحافة يطرح تحديات أخلاقية متعددة. من أبرزها مسألة الدقة؛ حيث قد يؤدي الاعتماد المفرط على الخوارزميات إلى نشر معلومات غير دقيقة أو مضللة. بالإضافة إلى ذلك، هناك مخاوف من تفاقم التحيزات الموجودة، حيث أن البيانات المستخدمة في تدريب هذه النماذج قد تحتوي على انحيازات تؤثر على مخرجاتها.

على سبيل المثال، قد يؤدي استخدام الذكاء الاصطناعي في اختيار الصور وتحريرها إلى تعزيز صور نمطية معينة، أو إغفال تمثيل فئات مجتمعية بعينها. هذا التحيز قد يكون نتيجة لبيانات تدريب غير متوازنة، مما يستدعي ضرورة مراجعة دقيقة للبيانات المستخدمة وتحديثها بانتظام لضمان تمثيل عادل وشامل.

الشفافية وبناء الثقة: مسؤولية مشتركة

لضمان ثقة الجمهور، يجب على المؤسسات الإعلامية تبني ممارسات شفافة عند استخدام الذكاء الاصطناعي. يتضمن ذلك الإفصاح عن الأدوار التي تلعبها هذه التقنيات في إنتاج المحتوى، وتوضيح مدى تدخلها في العمليات التحريرية. مثل هذه الشفافية تعزز من مصداقية المؤسسة وتبني جسور الثقة مع القراء.

على سبيل المثال، يمكن للمؤسسات الإعلامية تضمين إشعارات توضيحية في نهاية المقالات تشير إلى استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي في جمع المعلومات أو تحرير النص. كما يمكنها نشر تقارير دورية توضح كيفية استخدام هذه التقنيات وتأثيرها على المحتوى المقدم.

التوازن بين الابتكار والحفاظ على الجودة

بينما يوفر الذكاء الاصطناعي فرصًا لتحسين الكفاءة والإنتاجية، يجب على المؤسسات الإعلامية تحقيق توازن دقيق بين الاستفادة من هذه التقنيات والحفاظ على جودة المحتوى. الاعتماد الكلي على الذكاء الاصطناعي قد يؤدي إلى فقدان اللمسة الإنسانية في الصحافة، مما قد يؤثر سلبًا على تفاعل الجمهور وثقته.

على سبيل المثال، في تجربة صحيفة "The Garden Island" في هاواي، تم استخدام مذيعين افتراضيين مدعومين بالذكاء الاصطناعي لتقديم النشرات الإخبارية. هذه الخطوة أثارت ردود فعل متباينة من الجمهور، حيث شعر البعض بالانزعاج من الأداء غير الطبيعي للمذيعين الافتراضيين، مما يبرز أهمية الحفاظ على العنصر البشري في تقديم الأخبار.

دور الجمهور في تشكيل مستقبل الصحافة المدعومة بالذكاء الاصطناعي


يلعب الجمهور دورًا محوريًا في تشكيل كيفية دمج الذكاء الاصطناعي في الصحافة. من خلال التغذية الراجعة والمشاركة النشطة، يمكن للقراء التأثير على السياسات التحريرية ودفع المؤسسات نحو ممارسات أكثر شفافية ومسؤولية. هذا التفاعل المستمر يضمن أن تظل احتياجات وتوقعات الجمهور في صميم عملية تطوير المحتوى.

على سبيل المثال، يمكن للجمهور التعبير عن آرائهم حول استخدام الذكاء الاصطناعي في الصحافة من خلال التعليقات، أو المشاركة في استطلاعات الرأي التي تجريها المؤسسات الإعلامية. هذا النوع من التفاعل يساعد في توجيه استراتيجيات المؤسسات وضمان توافقها مع توقعات الجمهور.

خاتمة: مستقبل الصحافة في ظل الذكاء الاصطناعي

مع استمرار تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي، ستظل الصحافة في حالة تطور مستمر. التحدي الرئيسي يكمن في دمج هذه التقنيات بطرق تعزز من جودة المحتوى وتلبي احتياجات الجمهور، مع الحفاظ على المبادئ الأخلاقية والمهنية التي تشكل جوهر العمل الصحفي. من خلال الشفافية، والتفاعل المستمر مع القراء، والالتزام بالجودة، يمكن للصحافة أن تزدهر في هذا العصر الرقمي المتسارع.

0 التعليقات: