الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الأحد، أبريل 27، 2025

المهدي مستقيم يضع العَلمانية تحت المجهر الإبستمولوجي في مواجهة الأزمة العربية


أصدر الباحث المغربي المهدي مستقيم مؤلفًا جديدًا بعنوان «في العَلمانية: مقاربة إبستمولوجية»، وذلك عن دار الربيع للنشر بالقاهرة (2025)، في لحظة عربية تتسم بالارتباك والاضطراب، حيث تفرض التحولات المتسارعة الحاجة الملحّة إلى إعادة بناء منظومة أخلاقية حديثة ومتماسكة.

ينطلق مستقيم في مؤلفه من قناعة راسخة بأن الزمن العربي الراهن لم يعد يحتمل الارتهان إلى منظومات القيم التقليدية المستمدة من إرث ديني، بل يتطلب تأسيس براديغم قيمي جديد يستمد روحه من المرجعية الحقوقية الكونية، ويؤمن بأن القانون الوضعي، وحده، القادر على تنظيم العلاقة بين الأفراد في ظل احترام لا مشروط للحياة الإنسانية، بوصفها كما يقول تشارلز تايلر، شكلا من أشكال الانفتاح على العالم.

يدعو الكاتب إلى الاعتراف بأننا لسنا وحدنا في هذا العالم الواسع، وأن قيم الحداثة تتعارض جذريًا مع القيم الثقافية التقليدية التي لم تعد قادرة على مواكبة متطلبات العصر. فوفقًا له، تمثل القوانين الحديثة حصيلة نضالات إنسانية طويلة ضد ثقافات الظلام والاستبداد، وقد أنتجت نظامًا حقوقيًا إنسانيًا شاملا يعتبر أن كل إنسان يستحق الاحترام لمجرد كونه إنسانا.

ويؤكد المهدي مستقيم أن بناء مجتمع حديث لا يمكن أن يتم دون تأسيس أفراد أحرار مستقلين ذاتيًا، قادرين على تشكيل قناعاتهم بعيدًا عن الإملاءات التقليدية، مع الإيمان بأن احترام الحياة الإنسانية يرتبط جوهريًا بفكرة الاستقلال الذاتي. لذا يصبح من الضروري توفير الشروط التي تتيح لكل شخص تنمية شخصيته وفقًا لرغباته واختياراته، حتى وإن بدت تلك الخيارات مخالفة للأعراف السائدة.

وفي تحليله لموقع الألم والقتل في الوعي الإنساني المعاصر، يستند مستقيم إلى أطروحة ميشيل فوكو التي افتتح بها كتابه الشهير «المراقبة والعقاب»، مستعرضًا مشاهد التعذيب التي كانت تجرى على الملأ، ليؤكد أن العالم المعاصر، رغم استمرار الحروب الدامية مثل ما يحدث في غزة اليوم، أصبح أكثر نفورًا من مشاهد الألم، وأكثر تمسكًا بمبدأ احترام الكرامة الإنسانية. فلم يعد تنفيذ العقوبات الجسدية يُعرض في الساحات العامة، بل صار يتم خلف جدران مغلقة، لأن الإنسان الحديث لم يعد يحتمل القسوة كما كان في العصور الماضية.

إن كتاب «في العَلمانية: مقاربة إبستمولوجية» ليس مجرد تنظير فلسفي مجرد، بل هو نداء صريح لتجاوز الإرث القيمي التقليدي، والانخراط في مشروع كوني يؤمن بأن القانون وحده، باعتباره التعبير الأرقى عن الإرادة الجماعية الحديثة، هو الضامن الأول والأخير لحقوق الإنسان وكرامته.

0 التعليقات: