الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الجمعة، أبريل 11، 2025

المحتوى الصحفي في زمن "الإعجاب": بين السرعة والمصداقية: ترجمة عبده حقي


في زمن تتسارع فيه الخوارزميات أكثر من تدفق الأخبار، لم يعد إنتاج المحتوى الصحفي عبر وسائل التواصل الاجتماعي مجرد عملية نقل للمعلومة، بل أصبح فناً دقيقاً يوازن بين السرعة والمصداقية، بين الجاذبية البصرية وعمق المضمون.

أمام هذا المشهد، تبرز مجموعة من النصائح الجوهرية التي تشكّل البوصلة لأي صحفي يريد أن يبقى مرئياً في خضم هذا الضجيج الرقمي دون أن يفقد جوهر رسالته.

أولاً، يجب أن يدرك الصحفي أن المنصة تُحدد اللغة والسرد. فالمحتوى الذي ينجح على X تويتر سابقا لا يمكن نسخه إلى إنستغرام أو تيك توك بنفس البنية. ينبغي لكل منصة أسلوبها و"بيئة جمهورها". إن تويتر يفضّل السرد السريع المدعوم بالبيانات، إنستغرام يعشق الصور عالية التأثير، في حين يطلب تيك توك سرداً بصرياً مختصراً مدعوماً بالإبداع والحركة.

ثانياً، إن التحقق من المعلومات أولوية لا خيارا حيث وسط فيض الأخبار الزائفة، تبرز مصداقية الصحفي كعلامة تجارية. إن استخدام أدوات التحقق من الصور مثل "Google Lens"  أو مواقع التحقق من الأخبار مثل "Snopes" أو "Africa Check" أصبح ضرورة لا ترفاً. فمصداقية المنشور الواحد قد تفتح أو تغلق أبواب الثقة للأبد.

ثالثاً، من المهم تطوير أسلوب بصري ثابت ومتناسق: ألوان، خطوط، توقيع بصري، أسلوب عناوين. هذا لا يقتصر على العلامة التجارية، بل يبني علاقة معنوية وذهنية مع الجمهور، حيث يميز المتابع المادة الصحفية من أول نظرة. وقد ثبت في دراسات حديثة، منها تقرير "معهد رويترز 2024"، أن الجمهور يميل إلى متابعة المصادر التي توفر له وضوحاً بصرياً وسهولة في التفاعل.

رابعاً، على الصحفي أن يتقن فن السرد القصير دون التضحية بالعمق. المنشورات يجب أن تُختصر دون أن تُبتَسر. يمكن استعمال أسلوب "الخيط السردي" (thread) على تويتر لشرح حدث أو قضية، أو تقنية "القصص" (Stories) على إنستغرام وفيسبوك لتقديم زوايا متعددة للقضية في سلسلة صور أو فيديوهات.

خامساً، لا يجب إهمال التفاعل مع الجمهور، لا سيما في لحظة ما بعد النشر. التعليقات، الرسائل الخاصة، وحتى الانتقادات، تشكّل جزءاً من بيئة النشر المعاصرة. فالصحفي لم يعد يكتب من برج عاجي، بل يشارك، يرد، يناقش، يصحح أحياناً، ويُدافع غالباً.

سادساً، المواكبة المستمرة للأدوات الرقمية ضرورية. من أدوات التصميم

 (Canva، Adobe Express)  إلى أدوات تحليل التفاعل  (Meta Business Suite، Twitter Analytics)، كلها أدوات تساعد على تحسين الأداء، فهم الجمهور، وضبط الاستراتيجية التحريرية. فالصحافة الرقمية لا تعتمد فقط على الموهبة بل على البنية التكنولوجية التي تدعمها.

أخيراً، تبقى الأخلاقيات الصحفية حجر الزاوية. فوسائل التواصل ليست مجالاً حراً دون ضوابط، بل ساحة تنعكس فيها صورة الصحفي ووسيلته أمام جمهور عالمي.

الشفافية، الاعتذار عند الخطأ، احترام الخصوصية، والتزام المهنية، هي الخطوط الحمراء التي لا يجب تجاوزها في سباق "اللايكات" والمشاهدات.

في النهاية، لا يصنع الصحفي محتواه فقط، بل يصنع صورته وموقعه في مشهد تتداخل فيه الحقيقة بالافتراض، والحدث بالهاشتاغ. من ينجح في هذا التحدي، لا ينجو فقط، بل يزدهر.

0 التعليقات: