الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الثلاثاء، أبريل 15، 2025

القصيدة لا تنحني: “أناشيد النصر” وثيقة شعرية ضد الإبادة


أطلّت دار "الخليج" للنشر والتوزيع من عمّان بإصدار شعري جماعي جديد يحمل عنوانًا لا تخطئه الرؤى ولا تتيه فيه البوصلة: «أناشيد النصر»، وهو عمل أدبي جاء كمرآة صافية تعكس صوت الألم المقاوم، ويضم بين دفتيه مئة شاعر وشاعرة من شتى بقاع العالم العربي، نصفهم من الأردن، اصطفوا شعريًا ليخوضوا معركة الكلمة ضد آلة القتل.

يمتد الديوان على 220 صفحة من القطع الكبير، وقد تكفّل بالإشراف عليه الشاعر والوزير الأردني السابق الدكتور صلاح جرار، إلى جانب الشاعر الفلسطيني الأردني سعيد يعقوب، بينما تولّى تقديمه الأكاديمي اليمني الدكتور إبراهيم طلحة، أستاذ اللسانيات بجامعة صنعاء، الذي رأى في هذا العمل خطوة أدبية تسير على خطى المقاومة، وتضع الشعر في مواجهة الدم المسفوك.

"أناشيد النصر" ليس إصدارًا عابرًا، بل حلقة ضمن سلسلة إبداعية ظهرت عقب الاجتياح الوحشي على قطاع غزة بعد السابع من أكتوبر 2023، سلسلة تقف في صف الكلمة المقاومة بعد "طوفان الأقصى"، ومما سبقها من أعمال مثل "رباعيات جنين" و"سلام على الشهداء". أعمال جماعية تنحت من الحرف صرخة، ومن البيت الشعري موقفًا، ومن القصيدة راية.

لقد توزّعت النصوص على مشاهد العدوان وجراحه المفتوحة، لتسجّل الكارثة المتواصلة على أهل غزة، الذين حوصروا بالنار والجوع، والذين لم تُنقذهم المواثيق الدولية ولا أعراف الإنسانية. لقد نقل الشعراء والشاعرات، كل بلغته وصورته وتراكيبه، صورة الحرب التي أحرقت الحجر والبشر، وكانت ضحاياها في أغلبهم من الأطفال والنساء، والجرحى فيها بالآلاف، وما زال الحصار قائماً والموت متربصًا.

لكن، رغم هذا الجحيم، لا يغيب الحضور المضيء للشعب الفلسطيني في قصائد الديوان. فالصمود، والتمسك بالحق، والدفاع عن الأرض والعِرض، كلها ثيمات تكررت بنبرات عالية، حيث بدت غزة في النصوص وكأنها أسطورة حيّة تتحدى السقوط، وتعيد تعريف البطولة.

اللافت في "أناشيد النصر" هو هذا التواطؤ النبيل بين القصيدة والفعل، بين الشعر والسياسة، بين الجمالية والصرخة. وقد استطاع الديوان، بحسب مقدمته، أن يخلق أرضًا مشتركة للشعور الجمعي العربي، حيث اجتمع الكتّاب والشعراء على دعم فلسطين، لا بالبندقية ولكن بالكلمة المشحونة بالوجع والعزيمة.

وفي هذا السياق، كتب الدكتور إبراهيم طلحة في مقدمة الديوان: *"كانت القضية الفلسطينية – وما تزال – البوصلة التي لا تنكسر، والقصيدة التي لا تخبو. وما يميّز هذا الديوان هو التحامه بالحدث، وتوثيقه للبطولة، واستنطاقه لملحمة غزة، بلسان جماعي تتردد فيه أصداء المقاومة من المحيط إلى الخليج".*

ولا يُمكن ذكر هذا المشروع دون الإشارة إلى مساهمات محرريه. فالدكتور صلاح جرار، الذي عرف بمقالاته في دعم القضية الفلسطينية، سبق أن جمعها في كتاب "صرخات نازفة"، وأصدر مع يعقوب ديوانًا ثنائيًا بعنوان "ضربة القرن". أما سعيد يعقوب، فقد أضاف بعد السابع من أكتوبر ثلاثة دواوين جديدة: "من المسافة صفر"، "للحديث بقية"، و"وكرّة خاسرة"، جاءت جميعها امتدادًا لصرخته السابقة في "غزة تنتصر".

هكذا، لا يبدو "أناشيد النصر" مجرد ديوان، بل بيان شعري حافل بالدلالات، وموقف ثقافي لا يحتمل التأويل، وكأنّ القصيدة أصبحت وثيقة، والشاعر شاهدًا، واللغة سلاحًا يواجه الظلم من علو الحبر.

0 التعليقات: