في العاشر من مايو من كل عام، يلتفت العالم إلى شجرةٍ لا تنمو إلا في المغرب، شجرة الأركان، التي أضحت رمزًا بيئيًا وثقافيًا واقتصاديًا فريدًا. وقد أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا اليوم مناسبة عالمية للاحتفاء بهذه الشجرة، في اعتراف صريح بقيمتها التراثية والبيئية الكبرى، وتثمينًا لدورها في دعم الاستدامة والمجتمعات المحلية.
شجرة الأركان، المتجذّرة في سفوح الأطلس الصغير، ليست مجرد نبات مقاوم للجفاف، بل هي نظام بيئي متكامل. بفضل قدرتها الطبيعية على الصمود في وجه التصحر، تساهم الأركان في الحفاظ على التوازن البيئي وتعزيز التنوع البيولوجي، كما تلعب دورًا مهمًا في امتصاص الكربون، ما يجعلها حليفًا طبيعيًا في مواجهة تغير المناخ.
وقد وصفها الباحث *Pierre-Marie
Delmas* في كتابه
حول “الغطاء النباتي في جنوب المغرب” بـ"شجرة الكرامة"، لما تمنحه من فوائد
دون الحاجة إلى رعاية دائمة، ولقدرتها على الصمود في أقسى الظروف، مما يجعلها مثالًا
حيًا على التكامل بين الطبيعة والبشر.
لا تنفصل شجرة الأركان
عن البعد الاجتماعي والثقافي للمجتمعات الأمازيغية في المغرب، حيث ارتبطت منذ قرون
بالنساء، اللواتي حافظن على سرّ استخراج زيتها الثمين. في تعاونيات قروية منتشرة بسوس
وما جاورها، تحوّلت الأركان إلى مورد اقتصادي ورافعة لتمكين النساء، حيث يتم إنتاج
زيت الأركان بالطريقة التقليدية، في مشهد يجمع بين الإرث الشفهي والممارسة اليومية.
زيت الأركان، بخصائصه
الغذائية والعلاجية والتجميلية، جذب اهتمام الشركات العالمية، فصار يُستخدم في مستحضرات
التجميل والعناية بالبشرة، وأصبح رمزًا للجودة الطبيعية في الأسواق الدولية. وتشير
دراسات اقتصادية إلى أن صادرات زيت الأركان تجاوزت عشرات الملايين من الدولارات، مما
أكسبه لقب "الذهب السائل للمغرب".
تُعد شجرة الأركان
اليوم تجسيدًا حيًا لنجاح نموذج التنمية المستدامة القائم على تثمين الموارد المحلية
دون المساس بالبيئة. إذ ساهمت برامج التعاون بين الدولة المغربية والجهات الدولية،
مثل منظمة الأغذية والزراعة (FAO) وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، في حماية المجال الحيوي للأركان وتوسيع زراعته
من خلال مشاريع التشجير والدعم الفني للتعاونيات.
وفي خضم تسارع وتيرة
التقدم الصناعي، تبرز شجرة الأركان كتذكير رمزي بأن التقدم لا يعني بالضرورة الانفصال
عن الطبيعة. فهذه الشجرة، بنموها البطيء وجذورها العميقة، تحمل درسًا فلسفيًا عن الصبر،
والعطاء، والاستمرارية. إن قدرة الأركان على البقاء والازدهار في بيئة صعبة تُلهم الباحثين
في مجالات الزراعة والبيئة، وتدعو إلى إعادة التفكير في نماذج التنمية القائمة.
ويكتسب اليوم العالمي
لشجرة الأركان أهمية مضاعفة في السياق المغربي، إذ يُعد فرصة لتجديد الوعي المحلي والدولي
بأهمية هذه الشجرة في حماية التوازن البيئي، والحفاظ على التراث الثقافي، وتثمين دور
المرأة القروية في التنمية. كما يمثل مناسبة لإبراز التجربة المغربية كنموذج يحتذى
به في ربط الاقتصاد بالبيئة والثقافة.
في عالمٍ يتجه نحو
الذكاء الاصطناعي، تأتي الأركان لتُذكّر بقيمة الذكاء الطبيعي، المتجسد في شجرة تعيش
في عزلة الأطلس، ولكنها تؤثر في عواصم العالم، من باريس إلى طوكيو، ومن نيويورك إلى
أبوظبي.
0 التعليقات:
إرسال تعليق