الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الجمعة، مايو 09، 2025

الصحراء المغربية… من مزاعم "النهب" إلى ريادة الاقتصاد الأخضر: ترجمة عبده حقي


في الوقت الذي تسعى فيه دول العالم إلى تكثيف جهودها في مجابهة تحديات التغير المناخي وتعزيز الاستثمارات في الاقتصاد الأخضر، تطفو على السطح من جديد مزاعم "الجمهورية الصحراوية" الوهمية، في محاولة يائسة لتشويه جهود المملكة المغربية الرائدة في تحويل أقاليمها الجنوبية، وخاصة الصحراء المغربية، إلى نموذج إقليمي في التنمية المستدامة والطاقة النظيفة.

ففي الدورة 83 للجنة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب المنعقدة في بانجول، خرج ما يسمى بسفير "الجمهورية الصحراوية" بخطاب تكررت مفرداته منذ عقود، محاولا تصوير الاستثمارات المغربية في الطاقات المتجددة بالصحراء المغربية كأداة "لتبييض" ما وصفه بالاحتلال. لكن الحقيقة أبعد ما تكون عن هذه الدعاية، فالمملكة المغربية تمضي بثبات في مسار واضح ومشروع، يستند إلى السيادة الوطنية وإلى إرادة شعبية محلية متجذرة، من أجل إرساء نموذج تنموي جهوي متقدم، أساسه الإنسان والبيئة معًا.

إن المشاريع الكبرى للطاقة الريحية والشمسية التي أنجزت في مدن مثل العيون وبوجدور وطانطان ليست مشاريع استعمارية، كما يدّعي خصوم الوحدة الترابية، بل هي جزء من رؤية مغربية شاملة يقودها جلالة الملك محمد السادس لجعل الصحراء قاطرة للاستثمار الإيكولوجي والإقلاع الاقتصادي. هذه المشاريع يتم تنفيذها بشراكة مع الساكنة المحلية والمجالس المنتخبة، التي يعبر وجودها عن ممارسة ديمقراطية حقيقية، تعكس انخراط سكان الصحراء في تدبير شؤونهم بحرية ومسؤولية.

إن الحديث عن "نهب الموارد الطبيعية" يتناقض مع الحقائق على الأرض، فالموارد المستثمرة هي جزء من استراتيجيات وطنية شفافة ومعلنة، وتخضع للمساءلة القانونية والمؤسساتية داخل المملكة. وعلى عكس الخطاب التآمري المتكرر، فإن الصحراء المغربية ليست "آخر مستعمرة"، بل هي جزء لا يتجزأ من التراب الوطني المغربي، كما أكد ذلك التاريخ، والروابط البيعة، والمبادرات الدولية التي أقرت بمصداقية المقترح المغربي للحكم الذاتي كحل واقعي وجدي للنزاع المفتعل.

وفيما تستمر الدول والمنظمات في دعم المشاريع البيئية المغربية، فإن مجرد التشكيك فيها من منطلقات سياسية مغرضة لا يعدو أن يكون عزفًا خارج سياق التحولات العالمية التي تربط اليوم بين احترام البيئة وضمان الاستقرار السياسي والتنموي. فإذا كان بعض الأطراف يروّجون لتقارير قضائية أوروبية أو إفريقية بشكل انتقائي، فإنهم يتناسون أن هذه الآراء القضائية لا تلغي حقيقة ميدانية راسخة: المغرب هو من يضمن الأمن، التنمية، والاستثمار في هذه المناطق.

وحتى الاتهامات المتعلقة بتمويل دولي لما يصفونه بـ"احتلال أخضر" لا تصمد أمام الواقع؛ فالمؤسسات الدولية لا تموّل مشاريع اعتباطية، بل تستند في قراراتها إلى دراسات بيئية واجتماعية وقانونية معمقة. وحصول مشاريع مغربية في الصحراء على دعم من صناديق المناخ ليس دليلاً على "التواطؤ" بل شهادة دولية على ثقة المجتمع الدولي في نجاعة وأمان هذه المبادرات.

إن استحضار مفهوم "العدالة المناخية" من طرف من يتبنون خطابًا إيديولوجيًا جامدًا هو في ذاته مفارقة صارخة. فكيف يمكن لمن يعرقل التنمية ويحرض ضد الاستثمار ويقاطع الحوار أن يدّعي الدفاع عن الحقوق البيئية والاقتصادية للشعوب؟ وهل من المنطق في شيء أن تُمنع مناطق بأكملها من الاستفادة من ثرواتها فقط لأن أطرافًا انفصالية لم تقبل بالشرعية؟

الصحراء المغربية اليوم لم تعد ساحة نزاع بل فضاء لبناء مستقبل أخضر، تعاوني، ومزدهر. وهي شهادة الواقع الذي لا ينكره إلا من يعيش في عزلة فكرية وسياسية. ومن يزور هذه الأقاليم يرى المدارس، المستشفيات، البنى التحتية، والمزارع الشمسية التي تفتح أفقًا جديدًا لأجيال شابة طموحة. وهنا لا يُمكن إلا التنويه بالدور الريادي للمملكة المغربية التي استطاعت تحويل رمال الصحراء إلى مصدر للضوء والنمو، لا إلى أرض للصراع والتشكيك.

فلتتوقف الأبواق التي تُتقن العزف على أوتار الماضي، ولتفسح المجال لأصوات المستقبل، لأن التاريخ لا يرحم من يتأخر عن ركب التغيير، والبيئة لا تصالح من يعادي التنمية. المغرب في صحرائه، والصحراء في مغربها، وهي قصة نجاح خضراء لا يمكن التعتيم عليها مهما كان حجم الدخان الأيديولوجي المتصاعد من خيم الوهم والانفصال.

0 التعليقات: