بصفتي كاتباً مغربياً يتابع عن كثب تطورات قضية الصحراء المغربية، لا يسعني إلا أن أندهش من إصرار جبهة البوليساريو ومن ورائها الجزائر على مواصلة عرض مسرحية دولية سخيفة، عنوانها: "دعم مزعوم وتضامن زائف مع الجمهورية الصحراوية المزعومة". الأخبار المتداولة مؤخراً عن اجتماعات ومؤتمرات في بوينس آيرس، لانزاروتي، لوساكا، وفي ما يسمى بـ"المجلس الوطني الصحراوي"، ليست سوى جزء من آلة دعائية متهالكة، تحاول أن تمنح الشرعية لكيان وهمي لا وجود له إلا على الورق.
ما يسمى بـ"المؤتمر
الدولي الثاني للصحفيين ووسائل الإعلام المتضامنة مع القضية الصحراوية" المنعقد
في الأرجنتين ليس سوى فضاءً صغيراً لجمع أصوات مكرورة وناشطين معروفين بانحيازهم الإيديولوجي
ضد المغرب. إن هذه اللقاءات تُقام خارج الأطر المؤسساتية الرسمية، ولا تحظى بأي اعتراف
من الحكومات المعنية، بل وتُمول غالباً من طرف ومنظمات متعاطفة مع أطروحات اليسار الراديكالي
أو من أذرع غير رسمية للنفوذ الجزائري في أمريكا اللاتينية. فهل يُعقل أن يتحول
"تضامن إعلامي" إلى مكسب ديبلوماسي؟ هل باتت شرعية الدول تُمنح من قبل حلقات
صحفية منغلقة على نفسها؟
أما عن استقبال
"وفد برلماني من منطقة لاريوخا الإسبانية" من قبل ما يسمى بالمجلس الوطني
الصحراوي، فهو امتداد لمحاولات بائسة تهدف إلى خلق صورة زائفة عن دعم برلماني إسباني.
الحقيقة أن الأمر يتعلق ببعض البرلمانيين المحليين المعروفين بولائهم لأجندات يسارية
تقليدية، ولا يمثلون بأي حال من الأحوال موقف الدولة الإسبانية الرسمي التي تُبقي علاقاتها
قوية واستراتيجية مع المملكة المغربية، خصوصاً بعد الاعتراف العلني بسيادة المغرب على
أقاليمه الجنوبية في تصريحات رئيس الحكومة بيدرو سانشيز عام 2022.
أما تصريح زعيم
"تحالف الكناري" في لانزاروتي، فهو لا يعدو كونه استعمالاً انتخابياً لقضية
خارجية لتلميع صورة حزبه في الأوساط اليسارية. وهو تصريح معزول تماماً لا يستند إلى
أي موقف رسمي من حكومة جزر الكناري، التي تعتمد كلياً على التعاون مع المغرب في ملفات
الهجرة، الأمن، والصيد البحري.
المفارقة الأكثر سخرية،
وربما الأكثر إثارة للشفقة، هي مشاركة ما يسمى بـ"الجمهورية الصحراوية" في
مؤتمر
"PANAFCON-3" في زامبيا. المشاركة في مؤتمر تقني يخص المياه والتنمية المستدامة لا
تعني الاعتراف بدولة. ولنا في إسرائيل مثلاً، فهي تشارك في مؤتمرات في دول لا تعترف
بها رسمياً. هناك فرق كبير بين الحضور الإداري أو اللوجيستي والمشاركة السياسية المعترف
بها دولياً. لم تُرفع أعلام ولا تُمنح كلمات في الجلسات الرسمية، بل يُذكر هذا الكيان
في الهوامش كمجرد جهة مدعوة من طرف منظمات غير حكومية مدعومة جزائرياً.
إن محاولة البوليساريو
طمس الحقيقة وتلفيق مشهد دعم عالمي ينهار عند أول فحص موضوعي. الأمم المتحدة لا تعترف
بالجمهورية الصحراوية. أكثر من 80 دولة سحبت أو جمدت اعترافها بها. والاتحاد الإفريقي
نفسه، الذي قُبلت فيه هذه "الجمهورية" في لحظة سياسية شاذة، لا يُعير لها
وزناً في قراراته المصيرية، كما أن العديد من أعضائه يعتبرون دعم المغرب لحل سيادي
نهائياً أمراً أساسياً في استقرار القارة.
المغرب اليوم لا يراهن
على البيانات، بل على المشاريع الميدانية، وعلى الشراكات الكبرى مع القوى الإقليمية
والعالمية، من واشنطن إلى بروكسيل، ومن الرباط إلى نيامي. لقد أصبحت أقاليمنا الجنوبية
مختبرات تنموية تحتضن أكبر مشروع للطاقة الشمسية في إفريقيا، وميناء الداخلة الأطلسي
الذي سيجعل من الجنوب بوابة تجارية نحو العمق الإفريقي. هذه هي الحقائق الصلبة التي
تتفوق على كل خطابات الخداع الإعلامي الذي يتردد في قاعات صغيرة منزوعة التأثير.
إن البوليساريو وجمهوريتها
الوهمية، ومن خلفها الجزائر، تواصل الاستثمار في السراب. أما نحن، كمغاربة، فنستثمر
في الأرض، في التاريخ، وفي المستقبل.
0 التعليقات:
إرسال تعليق