تواصل دول الخليج ترسيخ مكانتها كقوة إقليمية صاعدة في مجال التحول الرقمي، من خلال مبادرات نوعية تتوزع بين الحكامة الإلكترونية والتعليم الذكي، وهو ما يتجلى بوضوح في نموذجين بارزين: المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة.
ففي الوقت الذي عززت فيه السعودية صدارتها الإقليمية في مجال الخدمات الحكومية الإلكترونية للعام الثالث على التوالي، عبر استراتيجيات رقمية طموحة ومشاريع تحول مؤسسي شاملة، كانت الإمارات تخطو بثقة نحو المستقبل، بإعلان إدراج الذكاء الاصطناعي كمادة أساسية ضمن المناهج الدراسية، لتكون من أوائل الدول في العالم التي تتبنى هذا التوجه على المستوى التعليمي النظامي.
وقد جاء الإعلان عن
تصدر المملكة المرتبة الأولى في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في تقرير دولي حول
الخدمات الحكومية الإلكترونية، ليؤكد نجاح رؤية السعودية 2030 في بناء حكومة رقمية
فعالة، تتسم بالكفاءة والشفافية وسهولة الوصول. هذا التتويج المتكرر، للعام الثالث،
ليس مجرد تفوق تقني، بل هو انعكاس لتغيير جذري في بنية الإدارة الحكومية، يعتمد على
البيانات المفتوحة، والربط المؤسسي، وتحسين تجربة المستخدم.
في المقابل، تعكس الخطوة
الإماراتية بإدراج الذكاء الاصطناعي في المقررات الدراسية إيماناً عميقاً بأهمية بناء
جيل قادر على التعامل مع تقنيات المستقبل، ليس كمستخدمين فقط، بل كمطورين ومبتكرين.
وهو ما يتناغم مع التوجه الإماراتي الأشمل الذي يضع الابتكار في صلب السياسات الحكومية
والتعليمية، ويجعل من الذكاء الاصطناعي أحد أعمدة الرؤية الاقتصادية للمرحلة المقبلة.
هذان النموذجان، السعودي
والإماراتي، لا يتنافسان بقدر ما يتكاملان في رسم ملامح مستقبل رقمي عربي واعد، يقطع
مع التبعية التقنية، ويؤسس لسيادة معرفية في مجالات الإدارة والخدمات والتعليم. وفي
حين تواصل السعودية تعزيز منصاتها الحكومية الموحدة وربطها بخدمات سحابية ذكية، تعمل
الإمارات على بناء عقول متمرسة في التعامل مع مفاهيم مثل تعلم الآلة، والخوارزميات،
وأخلاقيات الذكاء الاصطناعي، منذ المراحل التعليمية الأولى.
إن التجربتين تقدمان
نموذجاً عربياً ناجحاً في زمن التحولات الرقمية العالمية، حيث لم يعد التحول الرقمي
خياراً تقنياً بل ضرورة سيادية واقتصادية وثقافية. وبينما تبني السعودية منظومة خدمية
متكاملة قائمة على الحوكمة الإلكترونية، تؤسس الإمارات لعقلية مستقبلية لدى الجيل الجديد،
قادرة على التفكير بلغة الثورة الصناعية الرابعة.
وهكذا، يتجلى التحول
الرقمي الخليجي لا كمجرد تحديث للبنية التحتية، بل كرؤية استراتيجية متكاملة، ترسم
ملامح دولة المستقبل، وتعيد صياغة العلاقة بين المواطن والتكنولوجيا، وبين المدرسة
والمجتمع، وبين الدولة وسوق العمل.
0 التعليقات:
إرسال تعليق