في عالم مقلوب لا يُشبه شيئًا سوى جنون اليوم، يعود الفنان المغربي المتمرّد هشام العسري إلى الواجهة الأدبية برواية "لينين، استيقظ! لقد جنّوا كليًا!"، عمل فني لا يمكن تصنيفه، كأنه شظية من مرآة مكسورة تعكس عبثية العصر ومخاوفه المجنونة. الرواية الصادرة عن دار Outsiders Publishing المستقلة، تمثل ضربة فنية جديدة موجعة في جدار الرواية المغربية التقليدية.
في كازابلانكا مستقبلية، مرهقة ومشحونة باللايقين، تبدأ القصة من زلة قدم لرجل سكران، يسحب عن طريق الخطأ سلكًا في الرصيف، فتقع انفجارات غامضة. ومن لحظة الصدفة تلك، تبدأ متاهة من الشك والهلوسة، حيث يُتهم الرجل بتنفيذ عمل تخريبي ويُجرّ إلى دوامة أمنية مفككة، شبيهة بأحلام المدن التي نسيت كيف تحلم.
مقسّمة إلى 42 فصلًا،
كلٌّ منها مرفق برسم من توقيع العسري نفسه، تبحر الرواية في عوالم السخرية السياسية،
والأمن الزائف، والانهيارات النفسية التي تطحن الفرد وسط مجتمع متوتر، فقد حدوده الجماعية.
شخصية البطل، التي تبدو عادية حد التلاشي، تنقّب في ذكرياتها الضبابية وتضيع بين حقائق
متآكلة وخيالات هاربة، لترسم سيرة ذاتية متصدّعة في مغرب فقد توازنه بين الواقع والحلم.
العسري، الذي تعرفه
السينما الجادة من Punk Fitna إلى مشاركاته الدولية في مهرجانات كبرى، لا يكفّ عن التجريب: من الأفلام
إلى الروايات، من الكوميكس إلى السرديات الرقمية، يُمسك بخيوط الإبداع المتوترة في
زمن يرفض التنميط. في هذا العمل، ينسج رواية تشبه تركيبًا مسرحيًا متشظيًا، لكنه موصول
بروح الواقع المغربي: انتحارات في ارتفاع، انحدار مؤشرات السعادة، وانهيار جماعي في
الخيال والمخيال.
في "لينين، استيقظ!"،
لا يتعامل العسري مع المستقبل كلحظة لم تأتِ بعد، بل كلحظة وصلت وانهارت فورًا. الرواية
ليست فقط هجاءً سياسيًا، بل صرخة وعي في مواجهة عالم رقمي يزداد فراغًا، وحياة يختلط
فيها الميتافيزيقي بالسريالي، والفكاهي بالمرير. تذكّرنا أجواؤها بتوليفات أورويل،
لمسة من كافكا، ومشهدية بصرية تخرج من رحم أفلامه.
الكتاب خرج إلى النور
عبر
Outsiders Publishing،
الدار التي تعرّف نفسها لا كناشر فقط، بل كمنصة تعيش الإبداع وتجعله نمطًا وجوديًا.
بيانهم حول الرواية كان واضحًا: "نحن لا ننشر الكتب فقط، نحن نخلق حياة موازية
حولها".
ليست هذه رواية تُقرأ
بارتياح، بل تُصعق، تُهضم ببطء، وتخدش السكينة الأدبية. "لينين، استيقظ! لقد جنّوا
كليًا!" ليست فقط عنوانًا، بل نداءً لأجيال فقدت البوصلة. هشام العسري يثبت مجددًا
أنه لا يكتب من الداخل، بل من الهوامش المشتعلة. من هناك، تنبع أفضل الصرخات.
0 التعليقات:
إرسال تعليق