في خطوة تعكس تصاعد أهمية الذكاء الاصطناعي في الأمن القومي الأميركي، أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية عن توقيع عقد ضخم بقيمة 200 مليون دولار مع شركة "OpenAI"، المطوّرة لمنصة "ChatGPT"، من أجل تطوير قدرات ذكاء اصطناعي متقدمة تخدم المجالات العسكرية والإدارية على حد سواء.
وجاء في بيان صادر عن البنتاغون أن هذه الاتفاقية تهدف إلى "ابتكار نماذج أولية لقدرات ذكاء اصطناعي متقدمة تُوظف في مواجهة التحديات الأمنية الوطنية، سواء في ميدان الحرب أو في البنية التحتية الإدارية للمؤسسة الدفاعية". وستُنفّذ غالبية الأعمال المرتبطة بهذا المشروع في العاصمة واشنطن ومحيطها، على أن تكتمل بحلول يوليو 2026.
هذا التعاون بين الذكاء الاصطناعي والمؤسسة العسكرية ليس جديداً في السياسة الأمريكية، لكنه يأخذ اليوم منحى أكثر وضوحًا وجرأة، في ظل السباق العالمي على تطوير تطبيقات الذكاء الاصطناعي. ويبدو أن OpenAI باتت في طليعة هذا السباق، خصوصاً بعد أن كشفت مؤخرًا عن تحقيقها معدل إيرادات سنوي بلغ 10 مليارات دولار بحلول يونيو الجاري، وهو ما يضعها في موقع قوي لتحقيق أهدافها المالية السنوية، وسط تزايد اعتماد المؤسسات حول العالم على تقنياتها.
ولا تقف طموحات OpenAI عند هذا الحد؛ ففي مارس الماضي، أعلنت الشركة عن سعيها لجمع تمويل جديد يصل إلى 40 مليار دولار، بقيادة مجموعة "سوفت بنك" اليابانية، مما يرفع تقييمها المحتمل إلى حدود 300 مليار دولار. ووفقاً لتقارير الشركة، بلغ عدد مستخدميها النشطين أسبوعياً نحو 500 مليون مستخدم بنهاية مارس 2025.
ويأتي هذا التطور في سياق توجه عام داخل الإدارة الأمريكية نحو تنظيم سوق الذكاء الاصطناعي وتعزيزه من خلال توجيهات أصدرتها "مكتب الإدارة والميزانية في البيت الأبيض" في أبريل الماضي. هذه التوجيهات شددت على ضرورة ضمان استفادة الحكومة والجمهور من سوق ذكاء اصطناعي أمريكي تنافسي. ومع ذلك، فقد استثنت الإرشادات النُظم الدفاعية والأمنية من بعض القيود التنظيمية، وهو ما أتاح للمؤسسة العسكرية هامشاً واسعاً في التعاقد مع شركات مثل OpenAI.
ويعكس هذا التعاقد إدراكاً متزايدًا داخل المؤسسات الأمريكية بأن مستقبل الحروب، كما مستقبل الإدارة، لن يُحسم فقط بالسلاح التقليدي، بل بالخوارزميات القادرة على التنبؤ واتخاذ القرار وتحليل المعطيات بأقصى سرعة ودقة.
وبينما تتجه أنظار العالم إلى التطورات التقنية المتسارعة، يبدو أن تحالفاً جديداً يتشكّل في الظل بين الدولة والتكنولوجيا، تحالف قد يعيد تشكيل معالم القوة في القرن الحادي والعشرين، ويضع الذكاء الاصطناعي في صميم السياسات الدفاعية الكبرى.
0 التعليقات:
إرسال تعليق