الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الثلاثاء، يوليو 29، 2025

فيروز تودع ابنها المبدع الموسيقار زياد الرحباني

 


في مشهد مهيب تختلط فيه الدموع بالنغمات الخالدة، ودّع لبنان يوم الإثنين 28 يوليو/تموز 2025 الفنان والموسيقي الراحل زياد الرحباني، في جنازة ضخمة عمّتها مشاعر الأسى والتقدير، وطبعتها لحظة مؤثرة لا تُنسى: ظهور السيدة فيروز، أيقونة الأغنية اللبنانية، ووالدة زياد، للمرة الأولى منذ سنوات طويلة، لتودّع ابنها الوحيد أمام عدسات الكاميرات وقلوب الملايين.

من أمام مستشفى "خوري" في شارع الحمرا، بدأت مراسم التشييع في الصباح الباكر، وسط توافد مئات اللبنانيين، حاملين صوره، وأغصان الورد، وأعلام الوطن الذي طالما أنشد له الرحباني وأوجعه. ساحة المستشفى تحوّلت إلى ما يشبه مسرحًا مفتوحًا، صدحت فيه مقاطع من أغنيات زياد عبر مكبرات الصوت، فيما قُرعت أجراس الكنائس إيذانًا برحيل فنانٍ شكّل وجدان أجيال كاملة بموسيقاه وكلماته الجريئة.

وسرعان ما اتسع المشهد ليشمل كافة أرجاء العاصمة بيروت، حيث غصّت الشوارع الممتدة من الحمرا إلى الأشرفية بالحشود القادمة من مختلف المناطق، استجابة لنداءات واسعة على شبكات التواصل الاجتماعي، تدعو لتكريم وداعي لرمز من رموز المسرح السياسي والموسيقى المعاصرة في لبنان والعالم العربي.

موكب الجنازة سار ببطء تحت تصفيق الجماهير، وعبارات الوداع، ورشات الأرز والورد التي تناثرت على النعش المغطى بعلم لبنان. مرّ الموكب من شوارع بيروت التي طالما شكّلت مسرحًا لأعماله، وصولاً إلى بلدة المحيدثة في منطقة بكفيا، حيث أقيمت مراسم الصلاة على روحه في كنيسة "رقاد السيدة"، قبل أن يُوارى الثرى.

غير أن اللحظة الأشد وقعًا في هذا الوداع كانت لحظة دخول السيدة فيروز إلى الكنيسة. مغطاة بالسواد، يرافقها الحزن العميق ونظارة شمسية أخفت عينيها، سارت بصمت الملوك نحو الكنيسة، تتكئ على يد ابنتها ريما الرحباني، وبجوارها شقيقتها الفنانة هدى حداد، وأفراد من العائلة. ظهورها هذا – وهو الأول منذ سنوات – بعث صدمة وجدانية في نفوس الحاضرين، الذين شهِدوا كيف وقفت شامخة في حضرة الفقد، رغم انكسار القلب.

حاصرت عدسات المصورين موكب فيروز، ما اضطر العائلة إلى مناشدة وسائل الإعلام التوقف عن التصوير، احترامًا للحزن الذي يملأ القلوب، ولرهبة اللحظة التي لا تُكرّر في حياة الشعوب.

وهكذا، رحل زياد الرحباني في صمت الجنازات الكبرى، وُدّع كما عاش: بكرامة الفن، وجمال الحضور، ورهبة الكلمة الحرة. بيروت بكت ابنها الذي غنّى لعقلها، وسخر من جنونها، وعبّر عن وجعها بصوت ناي وقسوة بيانو. أما أمه، فيروز، فكانت في وداعه قامةً تكتب بصمتها المرير فصلًا جديدًا من حكاية الرحابنة التي لا تنتهي.

0 التعليقات: