الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الخميس، أغسطس 21، 2025

المغرب بين الدبلوماسية الواقعية ومحاولات التزييف الإعلامي: عبده حقي


في 20 غشت 2025، عاد ملف الصحراء المغربية إلى واجهة الأحداث عبر خطابين متناقضين في المضمون والاتجاه. فمن جهة، يصرّ قادة جبهة البوليساريو على إعادة تدوير خطاب "تسوية أممية – إفريقية" باعتباره الإطار الوحيد لما يسمونه "تصفية الاستعمار"، وهو خطاب يتردد منذ عقود عبر وكالة دعاية رسمية (SPS) لا جديد فيه سوى محاولة إحياء مشروع متآكل فقد شرعيته على المستوى الدولي. ومن جهة أخرى، ظهر صوت إفريقي من جنوب القارة يمثله الرئيس الجنوب إفريقي السابق جاكوب زوما، الذي نوّه بموقف غانا الداعم للوحدة الترابية للمغرب، مؤكداً أنّ المرحلة الأخيرة من تحرر إفريقيا تمر عبر الاعتراف بالواقع السياسي والجغرافي، لا عبر شعارات متكلسة.

المغرب منذ 2007 وضع على طاولة الأمم المتحدة مقترح الحكم الذاتي كحلّ عملي وواقعي يحظى بدعم مجلس الأمن باعتباره "حلاً جدياً وذا مصداقية". إن هذا الطرح لا يتعارض مع الشرعية الدولية، بل يعكس دينامية أممية جديدة تركز على الحلول السياسية التوافقية بدل استنساخ وصفات الحرب الباردة. وعليه، فإن محاولة البوليساريو الالتفاف على هذا المسار بطرح "مخطط التسوية" القديم لا تعدو كونها إعادة إنتاج لمرجعية تجاوزه الواقع ودفنه الفشل الميداني والسياسي.

من المثير أن يتحدث زوما، وهو رمز سابق للتحرر في جنوب إفريقيا، عن "المرحلة الأخيرة من التحرر الإفريقي"، لكن هذه المرة بإشادة بغانا وموقفها الداعم للمغرب. هذا التحول يعكس أن البعد الإفريقي للقضية لم يعد مرهوناً بالقراءة الأيديولوجية للسبعينيات، بل أصبح محكوماً ببراغماتية جديدة: الاستثمار، الأمن الإقليمي، وتكامل القارة. وغانا، بوزنها الاقتصادي والسياسي في غرب إفريقيا، اختارت أن تكون في صف الشرعية الدولية، مدركة أن المغرب ليس "قضية نزاع" بل شريكاً استراتيجياً في الأمن والتنمية.

المفارقة أن البوليساريو ما تزال تُصر على استدعاء لغة "الاستعمار" في حين أنّ التاريخ والجغرافيا والسياسة تُجمع على مغربية الصحراء. بل إنّ هذا الخطاب يزداد عزلة أمام التنامي المتسارع للاعترافات الدولية بمبادرة الحكم الذاتي. ما تروج له SPS لا يعدو كونه خطاباً للاستهلاك الداخلي في "المخيمات"، بينما تترسخ على الأرض مشاريع تنموية كبرى في الداخلة والعيون جعلت الأقاليم الجنوبية مركز جذب للاستثمار والاندماج الإفريقي.

السياسة المغربية اليوم تقوم على ثلاث ركائز أساسية:

1. «التشبث بالشرعية الدولية» عبر المفاوضات تحت رعاية الأمم المتحدة.

2. «الانفتاح الإفريقي» الذي جعل من الرباط لاعباً محورياً في الاتحاد الإفريقي، مساهماً في الأمن الغذائي، الاستقرار الإقليمي، وحل النزاعات.

3. «الواقعية الاقتصادية والتنموية» التي ترجمت على شكل موانئ كبرى، استثمارات طاقية، ومشاريع بنية تحتية تعزز ارتباط الأقاليم الجنوبية بإفريقيا والعالم.

إنّ ما يبرز من هذه العناوين المتناقضة هو أنّ المغرب يمضي قدماً في ترسيخ سيادته على الصحراء عبر الأدوات الدبلوماسية والتنموية، فيما يظلّ الخطاب الانفصالي عالقاً في لغة الخمسينيات. لقد تحولت الصحراء المغربية إلى ورشة بناء وفضاء استراتيجي يربط شمال إفريقيا بجنوبها، فيما باتت الدبلوماسية المغربية قادرة على تفكيك إرث الدعاية القديمة ببراغماتية تُقنع الحلفاء وتُربك الخصوم.

المغرب لا يكتفي اليوم بالدفاع عن وحدته الترابية، بل يقدم نموذجاً لسياسة إفريقية جديدة تنطلق من المصالح المشتركة والواقعية السياسية، وهو ما يفسر تزايد الأصوات الداعمة من داخل القارة، مثل موقف غانا، مقابل انكشاف محدودية الخطاب الشعبوي الذي يردده قادة البوليساريو.

0 التعليقات: