يشكل النزاع حول الصحراء المغربية أحد أكثر القضايا استمراراً في شمال إفريقيا، حيث يتقاطع فيه البعد التاريخي مع الحسابات الجيوسياسية والمصالح الإقليمية. غير أن المتتبع للخطاب السياسي والإعلامي الصادر عن الأطراف المختلفة يلاحظ تبايناً حاداً بين منهج المغرب القائم على طرح حلول واقعية، وبين المنهج الجزائري-البوليساريوي الذي يراوح مكانه في استدعاء سرديات فقدت مصداقيتها مع تغير السياقات الدولية.
يُلاحظ أن الجزائر،
عبر أذرعها الإعلامية مثل وكالة Sahara Press Service، ما تزال تعتمد خطاباً يقوم
على توصيف الوجود المغربي في الصحراء باعتباره "احتلالاً". هذا التوصيف لم
يعد يجد أي سند قانوني أو سياسي في قرارات الأمم المتحدة أو في مواقف القوى الدولية
الكبرى. فمنذ اعتراف الولايات المتحدة بمغربية الصحراء سنة 2020، وما تلاه من مواقف
أوروبية وإفريقية داعمة، أصبح وصف "الاحتلال" أقرب إلى أداة دعائية منه إلى
توصيف موضوعي.
كما أن محاولات بعض
المراكز الهامشية في الغرب لإعادة تدوير هذا الخطاب لم تُترجم إلى تأثير ملموس في السياسات
الرسمية، وهو ما يضعف من القيمة الاستراتيجية لهذه الحملات الإعلامية.
التحول الأكثر دلالة
في الفترة الأخيرة يتمثل في الموقف المعلن للرئيس الجنوب إفريقي الأسبق جاكوب زوما،
الذي ذهب إلى حد وصف البوليساريو بـ"الكيان الذي انتهى دوره التاريخي". أهمية
هذا الموقف تكمن في مصدره: شخصية بارزة في جنوب إفريقيا، الدولة التي طالما عُرفت بتبني
مواقف معاكسة للمغرب في ملف الصحراء.
هذا التحول يعكس إدراكاً
متزايداً داخل القارة الإفريقية بأن مبادرة الحكم الذاتي التي قدمها المغرب منذ سنة
2007 تشكل قاعدة عملية لتجاوز النزاع، وأن استمرار دعم مشاريع الانفصال لا يؤدي سوى
إلى تعميق الانقسامات داخل الاتحاد الإفريقي وإطالة أمد التوتر في المنطقة.
يبقى التساؤل مطروحاً
حول دوافع الجزائر في الإصرار على دعم البوليساريو، رغم فشل هذا الخيار على المستويين
الدبلوماسي والتنظيمي. التحليل الأكاديمي يبين أن الأمر يتجاوز "الدفاع عن حق
تقرير المصير"، ليعكس رهانات داخلية وخارجية للنظام الجزائري.
فعلى المستوى الداخلي،
تُستعمل قضية الصحراء كأداة لتأجيل الإصلاحات السياسية والاقتصادية عبر استدعاء خطاب
"التهديد الخارجي". وعلى المستوى الإقليمي، يسعى النظام الجزائري إلى منع
المغرب من لعب دور ريادي في غرب إفريقيا ومنطقة الساحل، وهي منطقة استراتيجية بالنظر
إلى التحديات الأمنية والاقتصادية العابرة للحدود.
على النقيض من ذلك،
يواصل المغرب ترسيخ سياسته القائمة على ثلاث مرتكزات: الشرعية التاريخية والقانونية
لوحدته الترابية، الدينامية التنموية في الأقاليم الجنوبية، والانفتاح الدبلوماسي عبر
مبادرة الحكم الذاتي. هذه المبادرة لاقت تأييداً من مجلس الأمن في قرارات متتالية،
واعتُبرت من طرف قوى دولية وإقليمية "جدية وواقعية وذات مصداقية".
كما أن المغرب لم يكتف
بالدفاع السياسي عن هذا الخيار، بل أرفقه بمشاريع اقتصادية وتنموية كبرى في الصحراء،
ما يجعل من مقاربته مزيجاً بين الشرعية القانونية والتنمية الملموسة، وهو ما يضفي على
خطابه بعداً عملياً لا يتوفر لدى الأطراف الأخرى.
تؤكد هذه التطورات
أن الجزائر والبوليساريو يظلان أسيرين لخطاب متجاوز ما يزال يعيش في زمن جدار
برلين، في حين أن المغرب يواصل حصد مكاسب دبلوماسية واقتصادية من خلال طرحه الواقعي.
وإذا كان المجتمع الدولي اليوم يطالب بـ"حل سياسي واقعي ودائم"، فإن ذلك
يعكس تلاقي إرادة الأمم المتحدة مع المبادرة المغربية.
إن الرهان على خطاب
"الاحتلال" أو "الاستفتاء" لم يعد مقنعاً في السياق الدولي الراهن،
بينما يبرز الحكم الذاتي باعتباره الخيار الوحيد القادر على تحقيق الاستقرار الإقليمي
وضمان حقوق ساكنة الأقاليم الجنوبية في إطار السيادة المغربية.
0 التعليقات:
إرسال تعليق