الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الأحد، أغسطس 17، 2025

قراءة في كتاب جان بودريار "من أجل نقد الاقتصاد السياسي للعلامة"


في كتابه "من أجل نقد الاقتصاد السياسي للعلامة" (1972)، يشكّك جان بودريار في الرؤية الماركسية التقليدية التي تُركّز على الإنتاج، لينتقل نحو إطار تحليلي يُركّز على الاستهلاك والرمزية. إذ يرى بودريار أن منتجات العصر الرأسمالي لم تعد تُقيّم من خلال فائدتها أو قيمتها التبادلية فقط، بل باتت كذلك محمّلة بقيم رمزية – أو ما أسماه "القيمة الرمزية" – التي تتجاوز اعتباراتها الاقتصادية التقليدية

1. الإطار النظري: الاستهلاك والرمزية (حوالي 200 كلمة)

يتحدّث بودريار في هذا الكتاب عن ثلاثة أنواع من القيمة:

القيمة الاستعمالية – الاستخدام العملي للشيء.

القيمة التبادلية – ما يُعادله الشيء من قيمة مادية.

القيمة الرمزية – القيمة التي يوحي بها الشيء في علاقته بمن يتلقاه؛ كهدية أو رمز اجتماعي أو مكانة

وهو يُعيد قراءة المجتمع الرأسمالي في ضوء هذه البنى الثلاثية، مشيرًا إلى أن التحوّل من إنتاج إلى استهلاك جعل من "العلامة" عنصرًا محوريًا في بناء المعاني. فالمنتجات لم تعد تُفتَرض وظيفتها فقط، بل تُحرّض رغبات اجتماعية وهوياتية. الإعلان، على سبيل المثال، لا يعكس "صورة" المجتمع فحسب، بل يساهم في بنائها، حتى غدا الإعلان – بحد ذاته – موضع استهلاك

مجلة المجلة

2. من الإنتاج إلى الاستهلاك: خطوة نقدية (حوالي 200 كلمة)

يسهم هذا الكتاب في نقد الماركسية من منطلق أن تركيزها على الإنتاج وقيمته التبادلية لم يعد كافيًا لفهم قدرات الاقتصاد المعاصر. بدلًا من النظر إلى الماركسية عبر مرآة الإنتاج، يرى بودريار أن العقل النقدي ينبغي أن يتجاوز هذا الإطار ليفسّر المجتمع عبر الاقتصاد الرمزي والعلاقات الناشئة من الاستهلاك والرموز

بهذه الرؤية، يُصبح أفق التحليل الثقافي وسيطًا لفهم الاقتصاد، بقدر ما أن الاقتصاد يُعرف عبر تنامي قيمته الرمزية. تحوّل "القيمة الرمزية" إلى أداة لفهم التمايز الاجتماعي والمكانة والثقافة الاستهلاكية.

3. التداخل مع ما بعد الحداثة

يقع هذا الكتاب عند نقطة مفصلية في تطور فكر بودريار. إذ كان فيه آخر التزاماته مع الماركسية قبل أن ينتقل بشكل حاد نحو نقدها الجذري. ويضيء على بداية تحول بودريار نحو "القَرْيَة ما بعد الحداثية" التي يرى فيها أن الرموز أصبحت تتفكّك وتتشظى، وتُحل النسخ (السيمولاكر) محل الواقع نفسه

هذا التغيير الفكري ليس عابرًا؛ بل هو تعبير عن تجاوز الفلسفة الكلاسيكية للاقتصاد السياسي نحو نظرية ثقافية تدرس العلامات والصور والرموز باعتبارها عناصر مركزية في تحليل المجتمع المعاصر.

4. الأهمية والحدود

يُعد الكتاب مرجعًا أساسيًا لفهم الصلة بين الاقتصاد بالثقافة، وسابقًا لفهم ما بعد الحداثة كفلسفة وشكل من أشكال الحياة الرمزية. تكمن أهميته في:

توسيع مفهوم "القيمة" ليشمل البعد الرمزي والثقافي.

ربط الاستهلاك بالتحديد الاجتماعي والثقافي.

تقديم إطار جديد لتحليل الإعلانات، العلامات التجارية، والهوية المعاصرة.

لكن، قد يُنتقد الكتاب لأنه لا يقدم نموذجًا عمليًا أو تطبيقيًا لكيفية قياس القيمة الرمزية أو تعقب أثْرها الحيوي مثل القيمة الاقتصادية. بالإضافة إلى اعتماده الثقافي العالي، ما يجعله أقل وضوحًا للقراء غير المتعمّقين في فلسفة ما بعد الحداثة واللسانيات.

الخاتمة

لقد فتح كتاب "نقد الاقتصاد السياسي للعلامة" أمامنا نافذة لفهم الاقتصاد الثقافي في المجتمعات الحديثة، حيث لم تعد القيمة تُقاس بالإنتاجية فحسب، بل ببُعدها الرمزي وتأثيرها الاجتماعي. نقد بودريار يظلّ مرجعًا هامًا للباحثين في الفلسفة، السوسيولوجيا الثقافية، ودراسات الإعلام والهوية، خصوصًا في زمن تعاظم السيادة الرقمية لشبكات العلامات والإعلانات. ولمن يهتم بكيفية تداخل الاقتصاد، الثقافة، والسلطة في عصر ما بعد الحداثة، يُعد هذا الكتاب دعوة للتأمل وبداية لاستكشاف فهم أعمق لما نرغب فيه، وليس فقط ما ننتجه أو نستهلكه.

ملاحظة للأمانة الأكاديمية: اعتمدتُ في هذا العرض على مصادر موثوقة مثل

Stanford Encyclopedia of Philosophy و ويكيبيديا (باللغة العربية والإنجليزية)، وكذلك نصوص مراجعة حول البناء الرمزي لدى بودريار

plato.stanford.edu

مجلة المجلة

Wikipédia

en.wikipedia.org

 

0 التعليقات: