في الثاني عشر من يونيو الماضي، اهتز العالم على وقع مأساة الطائرة AI171 التابعة للخطوط الجوية الهندية Air India، من طراز بوينغ 787-8 دريملاينر، التي تحطمت بالقرب من مطار أحمد آباد. الحادث أسفر عن 260 ضحية، بينهم ركاب وأفراد من الطاقم وأشخاص كانوا على الأرض، في مشهد مأساوي سيظل محفورًا في الذاكرة الجماعية. غير أنّ ما زاد من هول الفاجعة هو أن الجميع قضى في الحادث باستثناء شخص واحد، أصبح يعرف اليوم بالـ “راكب 11A”.
هذا الناجي الوحيد
هو فيشواش كومار راميش، مواطن بريطاني في الأربعين من عمره، ينحدر من مدينة ليستر البريطانية.
جلوسه قرب مخرج الطوارئ ربما أنقذ حياته، لكنه لم ينجُ من إصابات خطيرة طالت صدره وعينيه
وقدميه، فضلاً عن جراح نفسية أعمق من أن تُرى بالعين. ورغم مرور ثلاثة أشهر على الحادث،
لا يزال في الهند عاجزًا عن العودة إلى أسرته في المملكة المتحدة، محاصرًا بين آلام
الجسد وندوب الروح.
لا تقتصر المأساة على
الناجي الوحيد، بل تمتد إلى أسر الضحايا الذين وجدوا أنفسهم في مواجهة فوضى تنظيمية.
عائلات عديدة شكت من أن عملية تسليم الجثامين تمت بطريقة غير إنسانية، إذ سُجلت حالات
لأكفان تحتوي على بقايا جثامين مختلطة أو مفقودة. هذه التفاصيل المؤلمة عمّقت شعور
ذوي الضحايا بأنهم فقدوا أحبتهم مرتين: مرة في حادث الطائرة، ومرة أخرى في سوء إدارة
ما بعد الكارثة.
من الناحية التقنية،
لا يزال التحقيق مستمراً لكشف السبب المباشر لانهيار الطائرة. غير أن ما تسرّب من تسجيلات
قمرة القيادة يفتح الباب أمام أسئلة خطيرة: فقد أظهرت المعطيات أن مفاتيح الوقود للمحركات
انقلبت بشكل شبه متزامن من وضعية التشغيل إلى وضعية الإطفاء أثناء الإقلاع، ما أدى
إلى فقدان مفاجئ لقوة الدفع. وفي لحظة الارتباك تلك، سُمع أحد الطيارين يسأل زميله:
“لماذا تم قطع الوقود؟” ليجيبه الآخر بالنفي. هذه اللحظة الغامضة تبقى محور التحقيقات
التي لم تصل بعد إلى نتائج نهائية.
حادث أحمد آباد لم
يكن مجرد كارثة جوية تُضاف إلى سجل حوادث الطيران، بل صار رمزًا للصدمة الإنسانية والقصور
المؤسسي. فبقاء شخص واحد على قيد الحياة وسط 260 ضحية يطرح تساؤلات وجودية قبل أن يكون
مجرد ملف فني للتحقيق. كيف يمكن لنجاة فرد أن تتحول إلى عبء نفسي يفوق الموت ذاته؟
وكيف تتحول معاناة العائلات إلى دليل على هشاشة أنظمة إدارة الكوارث؟
إن مأساة “الراكب
11A” ليست حكاية ناجٍ فقط، بل صرخة تُذكّر بضرورة
إعادة النظر في معايير السلامة الجوية، وشفافية التحقيقات، واحترام كرامة الضحايا وذويهم.
وبينما يترقب العالم نتائج التحقيق، يبقى فيشواش كومار راميش أسيرًا لواقعه، شاهدًا
حيًّا على لحظة موت جماعي، وناطقًا صامتًا باسم مئات الأرواح التي لم يعد لها صوت.
0 التعليقات:
إرسال تعليق