لم تعد معركة الصحراء المغربية محصورة في حدودها الجغرافية الضيقة، بل تحولت إلى ساحة تتقاطع فيها الاستراتيجية العسكرية بالدبلوماسية الدولية. فبعد نجاح المغرب في إعادة فرض سيادته على معبر الكركرات سنة 2020، يطفو اليوم إلى السطح نقاش جديد حول إمكانية إنشاء ممر آمن يمتد من الكركرات إلى أمگالة، يشكل صلة وصل بين الأقاليم الجنوبية للمملكة والحدود الموريتانية عبر "بئر مغرين".
هذا التصور، وإن بدا
تقنياً في تفاصيله العسكرية، يحمل في طياته رهانات سياسية عميقة، تتعلق بمستقبل النزاع
وبموازين القوى في المنطقة برمتها.
المؤشرات الواردة من
الخبراء العسكريين تفيد بأن القوات المسلحة الملكية تملك الاستعدادات اللوجيستية والتقنية
الكافية لخوض عملية من هذا الحجم. فالتجهيزات الثقيلة المقاومة للألغام والمتفجرات،
وانتشار أنظمة المراقبة، تشكل قاعدة أساسية لإقامة "ممر آمن" بعرض يتراوح
بين عشرة وخمسة عشر كيلومتراً. لكن هذه الجاهزية الميدانية ليست سوى أداة ضمن رؤية
سياسية أوسع، غايتها الأساسية تحجيم تحركات جبهة البوليساريو التي اعتادت على استغلال
المنطقة العازلة لشن استفزازاتها.
من شأن فتح معبر سمارة–أمگالة
نحو بئر مغرين أن يمنح موريتانيا منفذاً تجارياً حيوياً، لكنه في الآن ذاته سيضعها
أمام مسؤوليات جسام. فإذا كان هذا الممر يحقق لموريتانيا فوائد اقتصادية مباشرة، فإنه
سيجعلها أيضاً مطالبة بمنع أي تحركات عسكرية أو هجومية صادرة من أراضيها، حتى لا تتحول
إلى طرف غير مباشر في نزاع الصحراء. وهنا تتجسد لعبة التوازنات الدقيقة بين الحاجة
للتعاون الاقتصادي ومتطلبات ضبط الأمن الإقليمي.
أي تحرك عسكري في المنطقة
العازلة يبقى خاضعاً لحسابات دقيقة مرتبطة بقرارات الأمم المتحدة ومواقف القوى الدولية
الكبرى. المغرب يستند إلى سوابق ناجحة في فرض الأمر الواقع، كما حدث في الكركرات، غير
أن تكرار السيناريو على نطاق أوسع قد يثير تفاعلات أكثر تعقيداً. لذلك يسعى المغرب
إلى الاستفادة من مناخ دبلوماسي نسبي يضعف من موقع البوليساريو، ويجعل أي عملية أمنية
تبدو وكأنها خطوة دفاعية مشروعة وليست مغامرة عسكرية.
إنشاء ممر آمن بين
الكركرات وأمگالة قد يشكل ورقة استراتيجية بيد المغرب، تفتح آفاقاً جديدة للتنمية في
أقاليمه الجنوبية وتعزز ربطها بمحيطها الإفريقي. لكنه في المقابل ينطوي على مخاطر مرتبطة
بتوسيع دائرة المواجهة، سواء مع البوليساريو أو مع داعميها الإقليميين، إضافة إلى ما
قد يثيره من إشكالات إنسانية مرتبطة بالألغام وحركة السكان الرحل.
القضية إذن لا تتعلق
فقط بخط أمني جديد، بل بخيار استراتيجي يرسم ملامح مرحلة جديدة في نزاع الصحراء. المغرب
يبدو واثقاً من إمكانياته الميدانية، لكنه يدرك أن أي تحرك يحتاج إلى غطاء سياسي ودبلوماسي
يحصنه من المفاجآت. فالممر من الكركرات إلى أمگالة ليس مجرد طريق ترابي في قلب الصحراء،
بل رمز لمعركة السيادة التي ما زالت مستمرة منذ عقود، مع فارق أن المغرب بات اليوم
أكثر استعداداً لترجمتها إلى وقائع على الأرض.
0 التعليقات:
إرسال تعليق