الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الأحد، سبتمبر 14، 2025

هل يمتد الغطاء العسكري للناتو إلى سبتة ومليلية؟ عبده حقي


تثير الزيارة الأخيرة التي قام بها وفد من حلف شمال الأطلسي (الناتو) إلى مدينتي سبتة ومليلية، بدعوة من الحزب الشعبي الإسباني، جدلاً سياسياً واستراتيجياً متجددًا حول وضعية هاتين الثغرتين المحتلتين ومستقبلهما في معادلة الأمن الإقليمي بين المغرب وإسبانيا وأوروبا. فالحدث لم يكن مجرد بروتوكول أو نشاط روتيني، بل يحمل في طياته أبعاداً رمزية ورسائل متعددة الاتجاهات، خاصة في سياق التوترات الجيوسياسية التي تعيشها المنطقة.

وفق ميثاق الناتو، فإن أي اعتداء على دولة عضو في الحلف يُعتبر اعتداءً على باقي الأعضاء، غير أن هذا المبدأ لا ينطبق تلقائياً على المناطق الواقعة خارج الحدود الدولية المعترف بها. وهنا يبرز الجدل: هل تدخل سبتة ومليلية، باعتبارهما مدينتين محتلتين على التراب المغربي، ضمن نطاق الدفاع المشترك؟ إسبانيا تحاول باستمرار الدفع في هذا الاتجاه، لكنها تصطدم بقراءة قانونية وسياسية متحفظة من داخل الحلف، حيث لم يُعلن بشكل صريح أن المدينتين مشمولتان بالغطاء العسكري.

من خلال هذه الدعوة، يسعى الحزب الشعبي الإسباني إلى إرسال رسالة مزدوجة: داخلياً، لاستعراض قوته أمام الرأي العام وتقديم نفسه كمدافع صلب عن "وحدة التراب الإسباني"؛ وخارجياً، لتكريس انطباع بأن المدينتين جزء لا يتجزأ من الأمن الأوروبي الأطلسي. غير أن هذه المناورة تبقى في جوهرها محاولة لشرعنة واقع استعماري عالق منذ قرون، يتعارض مع مبادئ تقرير المصير ووحدة أراضي الدول.

المغرب ظل واضحاً في موقفه: سبتة ومليلية مدينتان محتلتان، وملفهما جزء من استكمال الوحدة الترابية. ورغم أن الرباط تتبنى نهجاً دبلوماسياً هادئاً وبراغماتياً، إلا أنها تراقب بحذر كل التحركات الإسبانية الرامية إلى تدويل "إسبانية" المدينتين عبر المظلة الأطلسية. ويبدو أن المغرب يدرك أن إسبانيا تراهن على الزمن وعلى التحولات الأمنية لتكريس أمر واقع، لكنه في المقابل يعزز أوراق قوته الاستراتيجية عبر شراكات أمنية واقتصادية متنامية مع الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة، والقارة الإفريقية.

زيارة الناتو إلى سبتة ومليلية، حتى وإن جاءت بطلب حزبي، تحمل أبعاداً إقليمية حساسة. فهي تندرج في سياق أوروبي متوجس من تصاعد النفوذ الروسي والصيني في إفريقيا، وفي ظل توترات المتوسط المرتبطة بالهجرة والطاقة والإرهاب. غير أن إدخال المدينتين في الحسابات الأطلسية قد يشعل جدلاً دبلوماسياً بين المغرب وإسبانيا، ويفتح الباب أمام مطالب مغربية مضادة في المحافل الدولية.

يبقى السؤال الجوهري معلقاً: هل يستطيع الناتو فعلاً أن يمنح سبتة ومليلية غطاءً عسكرياً يوازي وضعهما القانوني الملتبس؟ الواقع أن الحلف سيتجنب، على الأرجح، الدخول في نزاع مباشر مع المغرب، حليف استراتيجي مهم في محاربة الإرهاب وضبط الهجرة والتعاون الأمني. وبالتالي، فإن الزيارة تبدو أقرب إلى رسالة سياسية إسبانية أكثر منها تحوّلاً في الموقف الأطلسي.

المغرب من جانبه يدرك أن معركة سبتة ومليلية ليست آنية، بل هي قضية زمن ورؤية استراتيجية طويلة الأمد، حيث يراهن على القوة الناعمة، والنموذج التنموي، والشراكات الدولية، لتثبيت شرعيته التاريخية والجغرافية في مواجهة محاولات إسبانية لإعادة إنتاج خطاب استعماري في ثوب أمني جديد.

0 التعليقات: