لم يعد التحكم في الأجهزة الإلكترونية حِكراً على الأزرار أو الشاشات اللمسية، فالعلم يسير بخطى متسارعة نحو عصرٍ تتحول فيه الأفكار ذاتها إلى أوامر قابلة للتنفيذ. أحدث ما وصلت إليه الأبحاث هو تطوير شرائح دماغية دقيقة تُزرع في المخ، تسمح بقراءة الإشارات العصبية وتحويلها إلى أوامر رقمية مباشرة.
هذه التقنية، التي ما زالت في بداياتها، تَعِد بفتح أبواب غير مسبوقة أمام المرضى الذين فقدوا القدرة على الحركة أو النطق، إذ يمكنها أن تمنحهم وسيلة للتواصل والتحكم بالعالم من حولهم بمجرد التفكير. كما يرى بعض العلماء أنها قد تُحدث طفرة في طريقة تفاعل الإنسان مع الأجهزة الذكية، من الهواتف والحواسيب إلى الروبوتات والسيارات ذاتية القيادة.
لكن في مقابل هذه الوعود، تبرز مخاوف كبيرة تتعلق بالخصوصية والأمن الرقمي. فالعقل البشري هو آخر معقل للحرية الفردية، وأي اختراق محتمل لإشاراته قد يفتح الباب أمام أشكال جديدة من المراقبة أو حتى السيطرة. إضافة إلى ذلك، يثير استخدام الشرائح الدماغية جدلاً أخلاقياً واسعاً: هل نحن أمام وسيلة لتحرير الإنسان من عجزه الجسدي، أم أننا نخطو نحو عصر من «الاستعباد العصبي» حيث تصبح أفكارنا ملكاً للشركات والتقنيات؟
المستقبل إذن مفتوح على احتمالات متناقضة: من جهةٍ، وعد بإنقاذ الأرواح وتحسين جودة الحياة، ومن جهة أخرى، خطر بسط نفوذ غير مسبوق على أعمق مستويات الذات الإنسانية. وبين الحلم والقلق، يظل السؤال قائماً: هل نحن جاهزون فعلاً لأن نصبح «مفاتيح تشغيل» لعالمنا بمجرد التفكير؟
0 التعليقات:
إرسال تعليق