الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


السبت، سبتمبر 13، 2025

استنطاق الذكاء الاصطناعي: فن صياغة الأوامر في زمن العقول الرقمية


في عالم الذكاء الاصطناعي المتسارع، لم يعد الأمر مجرّد طرح سؤال وانتظار إجابة. بل أصبح لزامًا على المستخدم أن يتقن فن هندسة الأوامر، أو ما يشبه فن استجواب العقول الخفية، حيث تتحدد جودة الجواب بمدى ذكاء صياغة السؤال.

هندسة الأوامر ليست علماً جامداً، بل ممارسة إبداعية تشبه الكتابة أو فن الخطابة، تقوم على مزيج من الوضوح والدقة والقدرة على منح السياق المناسب للنموذج اللغوي. فكلما كان الطلب محدداً وواضح المعالم، جاء الرد أكثر قربًا من الهدف، والعكس صحيح.

من بين أسس هذا الفن أن يتقن المستخدم الوضوح في التعبير وتجنب الغموض، وأن يضع النموذج في قلب السياق المطلوب عبر تزويده بخلفية عن الموضوع أو طبيعة الجمهور أو حتى الأسلوب المرغوب. وإلى جانب ذلك، تأتي أهمية التقييد، أي ضبط المعايير من حيث الحجم أو الأسلوب أو نوعية المراجع، مما يمنح الذكاء الاصطناعي خريطة طريق دقيقة.

لكن الدقة لا تعني الإطالة، فـالإيجاز شرط آخر من شروط الإبداع في هذا المجال؛ أمر مختصر لكنه محكم، بعيد عن الحشو، هو مفتاح الوصول إلى نتائج أفضل. أما الركن الخامس فهو التجريب المتكرر، لأن التفاعل مع الذكاء الاصطناعي لا ينتهي عند المحاولة الأولى، بل يتطلب مراجعة وإعادة صياغة وتطوير الأوامر باستمرار.

إلى جانب هذه القواعد، تكشف التجربة أن هناك تقنيات إضافية تزيد من فعالية النتائج، مثل تقسيم الأوامر المعقدة إلى أجزاء صغيرة، أو اعتماد الأوامر السلبية التي تحدّد ما يجب استبعاده من الرد، أو حتى البناء التراكمي حيث يُعاد توجيه الذكاء الاصطناعي بعد كل إجابة لتحسين المسار.

ولأن الذكاء الاصطناعي بات اليوم رفيقاً للكاتب والباحث والمترجم والصحفي، فإن إتقان هندسة الأوامر يشكّل أداة جديدة في صندوق الإبداع. هي أشبه بمهارة استنطاق نص قديم أو تفكيك قصيدة غامضة؛ كلما أتقن الكاتب استجواب الذكاء، منحته الآلة بدورها أسرارها الأكثر دقة وعمقاً.

0 التعليقات: