الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الخميس، سبتمبر 11، 2025

الإجهاض بين الأخلاق والقانون: قراءة فلسفية في جدل متجدد: عبده حقي


يعد الإجهاض واحداً من أكثر القضايا حساسية في الفلسفة الأخلاقية والقانونية المعاصرة، إذ يضع الإنسانية أمام سؤال مركزي: متى يبدأ الكائن البشري في اكتساب صفة "الشخص" وما يترتب عنها من حقوق لا يجوز المساس بها؟ هذا التساؤل الذي يبدو بسيطاً في ظاهره يفتح الباب على نقاش واسع بين اعتبارات دينية، طبية، قانونية، وفلسفية، تختلف باختلاف المجتمعات والأنظمة القيمية.

المعضلة الأولى التي يتناولها النقاش الفلسفي هي تعريف "الشخص". فهل يكفي الانتماء البيولوجي للجنس البشري ليُعتبر الجنين شخصاً؟ أم أن الشخصيّة تقتضي توفر معايير إضافية مثل الوعي، القدرة على الإحساس بالألم، أو امتلاك قدر من العقلانية والإرادة الحرة؟ الفلاسفة الذين يميزون بين "الإنسان البيولوجي" و"الشخص الأخلاقي" يرون أن هذه الحدود ليست متطابقة، وأن ثمة مرحلة انتقالية في النمو الجنيني لا يمكن وصفها بدقة مطلقة.

على امتداد التاريخ، حاولت المجتمعات تحديد نقاط فاصلة تمنح الجنين قيمة أخلاقية متزايدة. من بين هذه اللحظات:

القدرة على البقاء خارج الرحم (viabilité) التي تختلف باختلاف التقدم الطبي.

بداية الوعي والإحساس بالألم، والتي يرى البعض أنها تعني ظهور كائن له مصالح يمكن أن تتضرر.

أول حركة للجنين، والتي شكلت عبر القرون علامة رمزية على بداية حياة مستقلة.

كل مرحلة من هذه المراحل تمنح للنقاش بعداً متغيراً يتأثر بالسياقات الثقافية والتكنولوجية المختلفة.

بين المواقف المتطرفة والمقاربات الوسطية

ينقسم الموقف العام بين اتجاهين متناقضين: من يرى الإجهاض قتلاً لا يختلف عن أي جريمة بحق النفس، ومن يراه حقاً مطلقاً للمرأة في تقرير مصير جسدها. لكن معظم المواقف الفلسفية والسياسية تميل إلى البحث عن حلول وسطية، تعترف بحقوق الجنين تدريجياً مع تقدمه في النمو، دون أن تنكر الاعتبارات القوية التي قد تبرر الإجهاض مثل حالات الاغتصاب، الخطر على حياة الأم، أو التشوهات الجنينية الخطيرة.

السياسة العامة وصعوبة التوافق

القوانين المتعلقة بالإجهاض تكشف مدى تعقيد التوازن بين حرية الفرد والمصلحة العامة. فكل دولة تحاول صياغة تشريعاتها ضمن منظومة قيمها الدينية والاجتماعية، وفي ظل إمكانياتها الطبية. لذلك نجد اختلافاً كبيراً بين الدول التي تسمح بالإجهاض بشكل واسع، وتلك التي تجرمه إلا في أضيق الظروف. كما أن التقدم العلمي المستمر يجعل هذا النقاش متحركاً باستمرار، إذ يعيد تعريف مفاهيم مثل "القدرة على البقاء" أو "وعي الجنين".

يظهر من خلال هذه القراءة أن الإجهاض ليس مجرد قضية طبية أو قانونية، بل هو بالأساس سؤال فلسفي حول طبيعة الإنسان، ومعايير الشخصيّة، وحدود الحرية الفردية. وبينما يستحيل الوصول إلى إجماع عالمي حول هذا الموضوع، يبقى النقاش ضرورياً لأنه يعكس صراع المجتمعات في تحديد علاقتها بالحياة والكرامة الإنسانية.

0 التعليقات: