الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الثلاثاء، سبتمبر 23، 2025

بليز والبوليساريو: قراءة سياسية من منظور مغربي: عبده حقي


في الأسبوع الدبلوماسي الذي نظمته بليز بمناسبة الذكرى الرابعة والأربعين لاستقلالها، حرصت سلطات هذا البلد الكاريبي الصغير على تجديد خطابها التقليدي حول مبادئ القانون الدولي، بما فيها احترام السيادة وحق الشعوب في تقرير المصير. وقد استغلّ ممثل ما يسمى "الجمهورية الصحراوية" هذا الموقف ليُسوِّق مجدداً أطروحاته الانفصالية، محاولاً إضفاء الشرعية على حضور كيان غير معترف به من الأمم المتحدة.

لكن خلف هذه اللغة الدبلوماسية الرسمية، تظهر حقائق أكثر تعقيداً تتعلق بمكانة المغرب في القارة الإفريقية، وبأهمية قضية الصحراء في موازين القوى الدولية. فمفهوم تقرير المصير الذي يرفعه الانفصاليون لم يعد اليوم مرتبطاً بالانفصال بقدر ما أصبح مرتبطاً بإيجاد حلول سياسية واقعية تحافظ على استقرار الدول ووحدة أراضيها. وهو ما يتجسد في المبادرة المغربية للحكم الذاتي، التي وصفها مجلس الأمن مراراً بأنها "جدية وذات مصداقية"، باعتبارها حلاً توافقياً يوازن بين احترام الخصوصيات المحلية وضمان السيادة الوطنية.

الدبلوماسية المغربية مقابل الدعاية الانفصالية

الانفصاليون يحاولون توظيف مناسبات احتفالية مثل هذه في بلدان بعيدة جغرافياً عن شمال إفريقيا لإيهام الرأي العام الدولي بأن لهم حضوراً دبلوماسياً واسعاً. غير أن الواقع يؤكد العكس: أكثر من نصف الدول التي اعترفت في السبعينيات والثمانينيات بما يسمى "الجمهورية الصحراوية" قد جمدت أو سحبت اعترافها، في حين أن الدول المؤثرة استراتيجياً في أوروبا وأميركا وإفريقيا تدعم المسار الأممي القائم على الحل السياسي تحت رعاية الأمم المتحدة.

أما المغرب، فقد اختار منذ سنوات استراتيجية هجومية تقوم على الانفتاح على أميركا اللاتينية والكاريبي عبر التعاون الاقتصادي والثقافي، وهو ما يفسر الموجة المتزايدة من الدول التي تراجعت عن اعترافها بالكيان الانفصالي في هذه المنطقة. فبينما يسعى ممثل البوليساريو في بليز إلى لقاء دبلوماسيين من دول مثل كوبا وفنزويلا والجزائر، نجد أن المغرب يراكم شراكات عملية في مجالات الطاقة المتجددة والفلاحة والتبادل التجاري مع بلدان مؤثرة في القارة نفسها مثل البرازيل وتشيلي.

الدروس المستخلصة للمغرب

إن خطاب بليز حول "احترام السيادة وتقرير المصير" لا ينبغي أن يُقرأ باعتباره دعماً صريحاً للبوليساريو، بل باعتباره جزءاً من ديباجة دبلوماسية عامة تستعملها الدول الصغيرة لتعزيز صورتها في المحافل الدولية. وهنا يبرز دور المغرب في الاستمرار في توضيح التمييز بين تقرير المصير والانفصال، وتأكيد أن مبادرته للحكم الذاتي هي الإطار الأمثل لترجمة هذا المبدأ دون المساس بوحدة الدول.

كما أن المغرب مطالب بتعزيز حضوره الدبلوماسي في فضاءات الكاريبي وأميركا الوسطى، ليس فقط لقطع الطريق على الدعاية الانفصالية، بل أيضاً لتوسيع قاعدته من الشركاء الدوليين في قضايا استراتيجية مثل البيئة، الأمن الغذائي، وأمن الطاقة.

خاتمة

إن ما وقع في بليز يعكس مرة أخرى أن معركة المغرب مع البوليساريو ليست فقط على أرض الميدان أو في أروقة الأمم المتحدة، بل أيضاً في الفضاءات الرمزية والدبلوماسية. لكن معطيات الواقع الدولي تميل لصالح المغرب: مبادرة الحكم الذاتي باتت المرجع الوحيد الجاد، والدعم المتزايد لمغربية الصحراء في العواصم الكبرى يعكس وعياً عالمياً بأن الانفصال لم يعد خياراً مقبولاً في القرن الواحد والعشرين.

بهذا المعنى، فإن أي محاولة من البوليساريو لاستثمار المناسبات البروتوكولية في بليز أو غيرها لا تعدو أن تكون مجرد مناورة يائسة أمام زخم دبلوماسي مغربي متصاعد.

0 التعليقات: