الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الثلاثاء، سبتمبر 23، 2025

جذور أزمة الثقة الحزبية في المغرب: عبده حقي


أظهرت استطلاعات الرأي الأخيرة في المغرب أنّ تسعة من كل عشرة مواطنين لا يثقون في الأحزاب السياسية. إن هذه النسبة هي انعكاس لأزمة بنيوية مستمرة منذ عقود، حيث فقدت الأحزاب وظيفتها التاريخية كوسيط بين المجتمع والدولة، وتحولت في نظر المواطن إلى مؤسسات فاقدة للقدرة على التأطير والتعبئة.

منذ الاستقلال سنة 1956، لعبت الأحزاب المغربية دورًا حيويًا في مواجهة الاستعمار وصياغة أولويات المرحلة الوطنية. غير أنّ هذا الزخم سرعان ما تراجع مع بروز الانقسامات الداخلية، ومع تدخل الدولة في هندسة المشهد الحزبي عبر تشجيع انشقاقات أو خلق أحزاب إدارية موازية. ومع مرور الزمن، تراكمت لدى الرأي العام صورة سلبية مفادها أنّ الحزب أداة انتخابية أكثر من كونه إطارًا نضاليًا يعكس تطلعات المجتمع.

إلى ذلك، ساهمت الممارسات المرتبطة بالزبونية وتوزيع المنافع في تحويل العملية الانتخابية إلى منافسة حول المقاعد أكثر منها حول المشاريع المجتمعية، وهو ما يرسخ الانطباع بأن الأحزاب جزء من المشكل لا من الحل.

لكن مع صعود وسائل التواصل الاجتماعي، صار المواطن قادرًا على مساءلة الخطاب الحزبي بشكل مباشر. هذه الوسائل تحولت إلى فضاء يكشف التناقضات، ويُظهر عجز النخب الحزبية عن مجاراة التطلعات الشعبية. وسرعان ما أصبح الخطاب الحزبي مادة للسخرية في الفضاء الرقمي، وهو ما عمّق الإحساس بانفصال السياسي عن الاجتماعي.

بل إنّ محاولات بعض الأحزاب لاستغلال هذه الوسائل بطرق سطحية جعلتها أكثر عرضة للانتقاد، وأفقدتها فرصة إعادة بناء جسور الثقة مع المواطنين.

ضعف الثقة في الأحزاب لا يقتصر أثره على الحياة السياسية اليومية، بل يهدد أيضًا بنية النظام التمثيلي برمّته. فبرلمان بكتل حزبية فاقدة للمصداقية يصبح عاجزًا عن ممارسة وظيفته التشريعية والرقابية بفعالية، ويظل الاعتماد قائمًا على تدخل المؤسسة الملكية لسدّ الفراغ وضبط التوازنات. وهنا يبرز التناقض بين مطلب الإصلاح الديمقراطي وواقع العجز الحزبي، مما يضعف مشروع التحديث السياسي في المغرب.

إعادة بناء الثقة ليست مسألة تقنية بل هي مسار ثقافي وسياسي طويل يتطلب تغييرات جذرية:

تجديد النخب بفتح المجال أمام الشباب والنساء وأصحاب الكفاءات.

ترسيخ الديمقراطية الداخلية في اختيار المرشحين وصياغة البرامج.

ربط المسؤولية بالمحاسبة حتى لا تبقى المناصب مجرد غنيمة انتخابية.

إنتاج برامج واقعية مرتبطة بأولويات المواطن: التشغيل، التعليم، الصحة، والعدالة الاجتماعية.

إنّ فقدان ثقة تسعة من كل عشرة مغاربة في الأحزاب يضع سؤال المستقبل الديمقراطي للبلاد على المحك. فالمشهد الحزبي لم يعد مجرد تفصيل في العملية السياسية، بل أصبح عاملاً محددًا في جدية أي مشروع إصلاحي. وبدون استعادة الأحزاب لدورها الطبيعي كأداة للتأطير والتعبئة والتمثيل، سيظل النظام السياسي المغربي يعيش على مفارقة: ديمقراطية انتخابية بلا مضمون، ومواطنون يشاركون ببرودة في عملية سياسية لم يعودوا يعتقدون في جدواها.

0 التعليقات: