الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الأحد، سبتمبر 14، 2025

الذكاء الاصطناعي بين حرية الابتكار وضرورة التقنين


أصبحت أدوات الذكاء الاصطناعي، وعلى رأسها المساعدات الحوارية مثل «تشات جي بي تي»، جدلاً متزايداً حول طبيعة استخدامها وحدودها الأخلاقية والاجتماعية. فقد أصبحت هذه الأدوات في قلب النقاشات العامة بسبب ما يرافقها من تحديات تتعلق بحماية القاصرين، وضمان خصوصية المستخدمين، ومنع الانزلاقات التي قد تمس الصحة النفسية أو السلوك الاجتماعي.

لم يعد بإمكان الشركات المنتجة لتقنيات الذكاء الاصطناعي أن تكتفي بالترويج لابتكاراتها باعتبارها أدوات محايدة أو مجرد وسائل تقنية. فالتجارب الميدانية أثبتت أن هذه المنصات قادرة على التأثير في عقول المراهقين ونفسياتهم، وهو ما يجعلها تتحمل مسؤولية مضاعفة تجاه مستخدميها. وقد تعرضت مؤسسات كبرى لشكاوى قضائية وانتقادات واسعة في وسائل الإعلام والرأي العام بسبب قصور في آليات المراقبة أو غياب معايير حماية واضحة.

في هذا السياق، أعلنت شركة «أوبن إيه آي» في مطلع سبتمبر عن تفعيل خاصية المراقبة الأبوية، بحيث يمكن للوالدين تلقي إشعارات إذا كشف النظام عن مؤشرات اضطراب أو ضيق نفسي لدى المراهق أثناء محادثاته مع الذكاء الاصطناعي. كما أتيح للمستخدم خيار حذف سجل محادثاته نهائياً، في محاولة لتعزيز الثقة والشفافية. وجاءت هذه الإجراءات عقب قضية مأساوية أثارت الرأي العام، بعد انتحار مراهق يبلغ من العمر ستة عشر عاماً، حيث حمّلت عائلته الشركة جزءاً من المسؤولية نتيجة المحادثات الطويلة التي أجراها مع النظام.

يرى محللون أن ما يحدث مع أدوات الذكاء الاصطناعي يذكّر بما عرفته منصات التواصل الاجتماعي من انتقادات بسبب ضعف أنظمة المراقبة وحماية القاصرين من التنمر أو المحتويات الصادمة. وهو ما يعني أن هذه التكنولوجيا ليست استثناء، بل امتداد لمسار يتكرر كلما ظهرت أدوات رقمية جديدة تثير إشكاليات أخلاقية وقانونية.

الخلاصة التي يبرزها هذا النقاش هي أن مسألة تقنين الذكاء الاصطناعي لم تعد خياراً بل ضرورة ملحة. فالمؤسسات المطوِّرة، مهما بلغت قوتها التقنية، لا تستطيع أن تفلت من الرقابة المجتمعية والتشريعية، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بحياة الأفراد وسلامتهم النفسية. وسيكون على المشرعين والباحثين والمجتمع المدني الموازنة بين تشجيع الابتكار والحفاظ على الحقوق الأساسية، حتى لا تتحول هذه الأدوات إلى مصدر تهديد بدلاً من أن تكون رافعة للتقدم.

0 التعليقات: