الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الأربعاء، أكتوبر 01، 2025

الرواية في زمن الذكاء الاصطناعي في عدد جديد من مجلة الشارقة الثقافية


تواصل مجلة الشارقة الثقافية إصدار أعدادها الشهرية بما يرسخ حضورها كمنبر فكري وأدبي يواكب التحولات التي يشهدها العالم. وقد جاء العدد 108 (أكتوبر 2025) ليضع موضوعاً لافتاً في الواجهة، وهو العلاقة المتنامية بين الرواية والذكاء الاصطناعي. لم يعد الحديث عن التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي حكراً على المختبرات العلمية أو أقسام البرمجة، بل صار يفرض نفسه على الأدب والفنون، وبخاصة السرد الروائي الذي طالما شكّل مرآة للتحولات الحضارية.

الرواية والذكاء الاصطناعي: سؤال المستقبل

ينطلق العدد من فكرة أساسية مفادها أن الروائي لم يعد يكتب في عزلة عن ثورة البيانات والخوارزميات. فاليوم تطرح تساؤلات كبرى: هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يصبح شريكاً في عملية الإبداع؟ هل يمكن أن نقرأ يوماً رواية مكتوبة بالكامل بواسطة آلة، ومع ذلك نجد فيها ما يحرّك مشاعرنا ويهز وجداننا؟ مثل هذه الأسئلة لا تقف عند حدود التقنية، بل تنفذ إلى عمق الفلسفة الأدبية، حيث يتجدد النقاش حول ماهية الخيال الإنساني، وحدود قدرة الآلة على محاكاة التجربة الإنسانية.

تنوّع في الموضوعات والرؤى

العدد لم يقتصر على هذا المحور المحوري، بل توزّعت مواضيعه على حقول الثقافة والفن. فقد حملت الافتتاحية قراءة في مهرجان المسرحيات القصيرة، مبرزةً كيف يمكن للمسرح أن يظل مختبراً للتجريب والابتكار. وفي باب الدراسات الأدبية، نجد مقالات تتناول علاقة الرواية بالتحولات الفكرية والنفسية في زمن الذكاء الاصطناعي، إلى جانب قراءات نقدية في نصوص خالدة مثل مائة عام من العزلة، وربطها بمسائل الهوية والواقع والخيال.

كما يضم العدد حوارات مع أدباء ونقاد، تستعيد أسئلة العلاقة بين النص والعالم، وبين الكاتب والقارئ، في ظل بروز وسائط جديدة باتت تغيّر من عادات القراءة والكتابة على حد سواء.

حضور الفنون الأخرى: من التشكيل إلى السينما

من اللافت أيضاً أن المجلة وسّعت مجالها لتشمل الفنون التشكيلية والسينما والمسرح. ففي باب الفن التشكيلي، نجد مقالات تتناول تجارب معاصرة، وكيفية تفاعل اللوحة مع الحداثة الرقمية. أما السينما فقد نالت نصيبها من التحليل، عبر الحديث عن الموجة الجديدة في صناعة الأفلام، التي لم تعد تقتصر على الكاميرا التقليدية، بل باتت تستعين ببرمجيات متطورة قادرة على توليد مشاهد أو مؤثرات بالكامل.

بين التراث والحداثة

إلى جانب ذلك، استحضرت المجلة موضوعات في التراث، وكأنها تريد أن تذكّر القارئ بأن الانفتاح على الذكاء الاصطناعي لا ينبغي أن يعني القطيعة مع الجذور. فالثقافة الحقيقية هي التي تستوعب الجديد دون أن تُلغي القديم، وتستفيد من الخوارزميات دون أن تنسى الحكايات الشعبية والأساطير المؤسسة.

دلالة ثقافية

إن تناول مجلة الشارقة الثقافية لموضوع الرواية والذكاء الاصطناعي ليس حدثاً عابراً، بل يعكس وعياً عربياً متزايداً بضرورة الدخول في قلب النقاشات العالمية حول مستقبل الأدب. ففي حين يكتب نقاد وفلاسفة غربيون عن "الأدب الآلي" و"النصوص التوليدية"، تأتي هذه المبادرة الثقافية لتمنح القارئ العربي فرصة التفاعل مع هذا الحقل المعقّد. إنها دعوة للتفكير: هل سنكون مجرد مستهلكين لنصوص تنتجها خوارزميات غربية، أم سنشارك أيضاً في صياغة سرديات جديدة تحمل بصمتنا؟

خاتمة

يوحي هذا العدد بأن الرواية العربية مقبلة على منعطف جديد، حيث لن يكون السؤال: ماذا نكتب؟، بل: كيف نكتب في عصر الذكاء الاصطناعي؟ وهو سؤال يتجاوز الأدب ليطال الفلسفة والهوية والثقافة الإنسانية برمّتها. وإذا كانت المجلة قد فتحت الباب لهذا النقاش، فإن المستقبل كفيل بأن يكشف لنا إلى أي مدى يمكن أن تتحول الرواية من نصوص بشرية إلى نصوص هجينة، يتعايش فيها الخيال الإنساني مع قدرات الآلة.

0 التعليقات: