الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


إعلانات أفقية

الجمعة، نوفمبر 07، 2025

يومية أخبار الثقافة والفنون والإعلام والتكنولوجيا والأدب الرقمي: إعداد عبده حقي

 


اليومَ تَبْدو الخريطةُ الثقافيّةُ في المغربِ والعالمِ العربيِّ وإفريقيا والعالَم مُفعَمةً بإيقاعٍ مُتسارِعٍ بين المهرجاناتِ والتحوّلاتِ الرقميّةِ ومشاريعِ الذكاءِ الاصطناعيّ التي تُبدِّلُ وجْهَ الصناعاتِ الإبداعيّة. في المغربِ، يَرتفعُ منسوبُ التَّرقُّبِ لِانطلاقِ الدَّورةِ الثانيةِ والعشرين من المهرجانِ الدّوليِّ للفيلمِ بمراكش أواخرَ نوفمبر، مصحوبًا بإعلانِ تكريماتٍ بارزةٍ لأسماءٍ سينمائيّةٍ عالميّةٍ، ما يُعزِّزُ حضورَ المدينةِ في خرائطِ الثقافةِ العالميّةِ ويُرسِّخُ تَراكمَها السينمائيَّ الذي باتَ جزءًا من علامةِ المغربِ الثقافيّة. بالتوازي، تُسجِّلُ المملكةُ قَفزةً في البنيةِ التحتيّةِ الرقميّةِ مع بدءِ تشغيلِ الجيلِ الخامس، وهو ما يَعِدُ بصيغٍ جديدةٍ للاستهلاكِ الثقافيِّ والبثِّ والتوزيعِ، وبخدماتٍ مُثريةٍ لصناعةِ المضامينِ الإبداعيّةِ المحليّةِ من موسيقى وسينما ونشرٍ إلكترونيّ. وعلى خطّ السياسةِ الثقافيّةِ، تتواصلُ مبادراتُ إدماجِ الأمازيغيّةِ في الفضاءِ المؤسَّسيِّ والقانونيّ، بما في ذلك التَّرجمةُ والرَّقمنةُ، الأمرُ الذي يُعطي إشاراتٍ قويّةً إلى اختيارِ تنويعِ القنواتِ اللغويّةِ للرِّوايةِ الوطنيّةِ وتنظيمِ العلاقةِ بين الهُويّةِ والتَّحديث. وفي واجهةِ الصورةِ الاقتصاديّةِ الثقافيّةِ، تُكْمِلُ السياحةُ الثقافيّةُ ملامحَ هذا الحراكِ مع بلوغِ أرقامِ الوافدين مستوياتٍ قياسيّة، وهو ما ينعكسُ على أنشطةِ العروضِ والمتاحفِ والكتابِ والموسيقى.

في العالمِ العربيّ، يَتَجلّى المَشهَدُ في طبقاتٍ مُتعدِّدة: مَعارِضُ وتصاميمُ وخُزَفٌ ومَجوهراتٌ تُجاورُها عروضٌ راقصةٌ ومهرجاناتٌ عائليةٌ تُنمّي الذائقةَ وتُقوّي جسورَ التَّثاقفِ؛ ومعارضُ تصميمٍ في الخليجِ تفتتحُ مواسمَها بمعارضٍ موضوعيّةٍ طويلةِ النَّفَس تُراهنُ على العمقِ الجماليِّ والتعليميّ؛ كما تتقدَّمُ الجوائزُ الصحفيّةُ العربيّةُ الاستقصائيّةُ لتأكيدِ مِهنيّةٍ تُصارِعُ مُناخًا صعبًا وتَحمي حقَّ الجمهورِ في المعرفة. وإلى جانبِ ذلك، تتواصلُ الفعالياتُ التي تَجمعُ المعماريّين والمُؤرِّخين والفنّانين حولَ ترميمِ الذاكرةِ وروايةِ المكان، وتُربّي لدى الأجيالِ حسًّا نقديًّا تجاهَ المدينةِ العربيّةِ بوصفِها مُختبرًا للذائقةِ والجمالِ والسياساتِ الحضريّة.

إفريقيًّا، يَبرزُ صوتُ الموسيقى باعتبارِه قاطرةً جماهيريّةً تُحرِّكُ سوقَ الإبداع، مع إصداراتٍ أسبوعيّةٍ تُقدِّمُ أسماءً صاعدةً في الرابِ والبوبِ والأفرو-فيوجن. كما تتوالى مهرجاناتُ السينما المخصَّصةُ لتمكينِ المرأةِ الإفريقيّةِ في الصِّناعة، وتتصاعدُ مبادراتُ ريادةِ الأعمالِ الثقافيّةِ والتقنيّةِ التي تُنادي بشراكاتٍ أوسعَ لِلَّحاقِ بمَوجةِ الذكاءِ الاصطناعيّ وتطويعِها في قطاعاتٍ استهلاكيّةٍ واسعة. غير أنّ المشهدَ لا يخلو من ظلالِ الأزمةِ الإنسانيّةِ التي تُثقِلُ حواضرَ في السُّودانِ وغيره، فتُذكِّرُ بأنَّ الثقافةَ والحقَّ في الحكايةِ الحرّةِ يَصعُبان في مناخاتِ الحصارِ والقمع، وأنَّ حمايةَ الصّحافةِ وتوثيقَ الجريمةِ جزءٌ من صيانةِ الذاكرةِ الإفريقيّةِ وحقِّها في العدالة.

عالميًّا، يَتواصلُ سباقُ الذكاءِ الاصطناعيِّ على إيقاعِ صفقاتٍ بَحجمِ قاراتٍ تُعيدُ توزيعَ ثِقَلِ الحوسبةِ السّحابيةِ وتُسرِّعُ ولادةَ أجيالٍ جديدةٍ من النُّظُمِ “الوكيلةِ” القادرةِ على إنجازِ المهامِّ المعقَّدة. وفي خِضمِّ هذا السباقِ، تَظهرُ تحليلاتٌ تُعيدُ وضعَ التوازناتِ بين عمالقةِ التقنيةِ، وتُذكِّرُ بأنَّ السَّبقَ ليس مُعطًى نهائيًّا، وأنَّ الابتكارَ قد يبدّلُ خرائطَ القوّةِ في أسابيع. على الضِّفّةِ الثقافيّةِ المؤسَّسيّةِ، تتقدّمُ منظّماتٌ دوليّةٌ برؤًى تُزاوِجُ بين الطبيعةِ والثقافةِ في المتوسّط، وترعى حواراتٍ حولَ أخلاقيّاتِ الذكاءِ الاصطناعيّ وحُكمِه الرَّشيد، فيما تستعدُّ قيادةُ اليونسكو الجديدةُ لملفّاتٍ ماليّةٍ وتنظيميّةٍ دقيقةٍ لا تنفصلُ عن قدرةِ العالمِ على حمايةِ تراثِه وتشجيعِ إبداعِه.

أمّا في الإعلامِ والتكنولوجيا والرَّقمنةِ، فيتقدَّمُ المغربُ بخُطًى عمليةٍ: من تحديثِ الإطارِ القانونيِّ للعملِ عبرَ المنصّاتِ وصياغةِ مهاراتٍ جديدةٍ للصحافةِ الرقميّة، إلى تحذيراتٍ من محتوى مُزَيَّفٍ بالذكاءِ الاصطناعيّ يَمسّ صورَ القياداتِ الماليّةِ أو الشخصيّاتِ العامّة؛ وهي إشاراتٌ على أنّ البنيةَ التشريعيّةَ والأخلاقيّةَ تُحاولُ مُجاراةَ سرعةِ التَّقنيةِ ومخاطِرِها. عربيًّا، تَصعُدُ وثائقيّاتٌ عن “حربِ الصّحافةِ” تُؤرِّخُ لتكاليفِ الحقيقةِ في زمنِ الاستقطاب، فيما تستمرُّ المؤسساتُ الإعلاميّةُ في استكشافِ شراكاتٍ مع منصّاتِ الذكاءِ الاصطناعيّ دون التخلّي عن معاييرِ المِهنيّةِ والتعويضِ العادلِ عن المحتوى. إفريقيًّا، تُشيرُ تقاريرُ الأعمالِ إلى دورِ البياناتِ والذكاءِ الاصطناعيّ في تحويلِ أسواقِ السِّلعِ الاستهلاكيّةِ سلوكًا وتوزيعًا وتسعيرًا، مع دعواتٍ لتسريعِ التَّمكينِ المهاريِّ والبحثِ المشتركِ بين القطاعين العامِّ والخاصّ.

ويبلغُ المشهدُ ذروةَ تداخلِه في حقلِ الأدبِ الرَّقمي؛ فثَمّةَ دعواتُ مشاركةٍ مفتوحةٌ لأضخمِ “مجموعاتِ الأدبِ الإلكترونيِّ” الدوليّةِ، تَعِدُ بسِبرِ أشكالِ السَّردِ التفاعليِّ والقصائدِ المُوَلَّدةِ خوارزميًّا والألعابِ القصصيّةِ الهجينة. في العالمِ العربيّ، تُطلقُ مبادراتٌ لمكتباتٍ رقميّةٍ عربيّةٍ تُيسِّرُ الوصولَ إلى نصوصٍ علميّةٍ وأدبيّةٍ، وتُقاربُ حقوقَ النشرِ والتوزيعِ بآليّاتٍ حديثةٍ تُسانِدُ المؤلِّفَ والمترجِمَ على السواء. وإلى ذلك، تُسرِّعُ منصّاتُ القراءةِ العالميّةُ تجاربَ التَّرجمةِ الآليّةِ المُوجَّهةِ للمؤلِّفين المستقلّين، بما يفتحُ للأعمالِ العربيّةِ الناشئةِ نوافذَ وصولٍ إلى أسواقٍ جديدةٍ، شرطَ الحِفاظِ على دقّةِ الأسلوبِ وحقوقِ الملكيّةِ وقابليةِ التحكيمِ البشريِّ النهائيّ. وعلى امتدادِ القارّةِ الإفريقيّةِ، تتكاثرُ قممُ “قصِّ الحكايةِ الرقميّة” ودعواتُ مؤتمرِ الإنسانيّاتِ الرقميّة، بما يُشيِّدُ جِسورًا بين المختبراتِ والجامعاتِ وصُنّاعِ المحتوى، ويمنحُ الأدبَ أداةً تقنيّةً تُضاعِفُ أثرَه التواصليَّ وتُجرِّبُ معانيه في وسائطَ مُركَّبةٍ تجمعُ النصَّ بالصوتِ والفيديو والتفاعُل.

هكذا يَتعانقُ في يومٍ واحدٍ مِزاجُ المهرجاناتِ والبُنى التحتيّةِ والشَّراكاتِ السَّحابيّةِ والحوكمةِ الرقميّةِ والذاكرةِ الإنسانيّةِ المهدَّدة؛ فَتُومِئُ الثقافةُ إلى أنّها ليست مجرَّدَ عُروضٍ على الخشبةِ أو رفوفٍ في مكتبةٍ، بل هي شَبكةُ علاقاتٍ وسياساتٍ وابتكاراتٍ تُعادُ صياغتُها على وقعِ ثورةٍ تقنيّةٍ تُغيِّرُ أدواتِ السَّردِ وأخلاقَه، وتُضيفُ إلى قاموسِنا اليوميِّ كلماتٍ جديدةً مثل “الوكالةِ الآليّةِ” و“الهُويّةِ الخوارزميّةِ” و“الحَوْكمةِ المُشتركةِ”؛ فيما يَبقى التحدّي ثابتًا: كيف نُمسِكُ بعُروةِ الحرّيّةِ والعدالةِ والمعنى، ونَسْطوِعُ بالجمالِ في عالمٍ مُتنازعٍ على السَّرديّةِ وعلى الحقيقةِ معًا؟

0 التعليقات: