الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الأحد، نوفمبر 11، 2018

ما هو مستقبل القراءة التفاعلية ؟ ألان فيولمان ترجمة عبده حقي

هل مستقبل القراءة التفاعلية مهدد وبشكل متناقض مع التطور بسبب الظهور المفاجئ لما يسمى ب"الكتب الإلكترونية"؟ إنه سؤال يبدو مفاجئا .هناك فعلا قلق حقيقي .
من المعلوم تاريخيا ،أن القراءة "الرقمية" أو التفاعلية قد ظهرت في منتصف 1950 عندما تمكنت الآلات الحاسبة وقتئذ من "القراءة" ، بطريقة مجازية ، بواسطة نظام مراسلات التي تم وضعها بين الحروف الأبجدية الرقمية والقيم الرقمية التي كانت لا تعالج سوى بالمعلوميات وحدها .
كل نص ، وبأي لغة كانت ،ليس هو إلا سلسلة من الحروف المشفرة بلغة مزدوجة في صيغة تسمى "نص". وانطلاقا من هذا المبدأ تم منذ الستينيات ، وضع قواعد البيانات النصية الأولى ، لا سيما المجموعة التي مكنت فرنسا من تطوير " الكنز اللغوي الفرنسي  Trésor de la langue française " قاموس اللغة الفرنسية العصرية ، ثم بنك المعطيات (فرانتيكس Frantext )، التي تم دمجها منذ ذلك الحين في موقع Gallica في المكتبة الوطنية الفرنسية  Bibliothèque Nationale de France.
في حدود 1990 ، ظهر في مجال النشر الإلكتروني صنف ثانٍي من التوثيق بصيغة "الصورة image" والذي يتكون من نسخ صفحات من الكتب أو المخطوطات بواسطة (fac-simile) على شكل صور مرقمنة . وتأسيسا على هذا المبدأ التقني أنشأت المكتبة الوطنية الفرنسية منذ 1996 "مكتبة رقمية" تتألف في مجموعها من 300000 من المجلدات الرقمية [1] ، منها 80000 كانت جاهزة للاستعمال مباشرة على الإنترنت ، باستعمال خادم Gallica ، في بداية سنة 2000.
ومنذ 1997 ، ومع توسع شبكة الاتصالات عبر الإنترنت ، ظهرت طريقة أخرى للقراءة ، "التشعبية hypertextuel" و "المتعددة الوسائط hypermedia" ، واللتان ساهمتا في الانتشار بشكل كبير .
في المجال الأدبي ، تعود أولى محاولات النشر الإلكترونية إلى سنة 1984 عندما حاولت دار النشر Voyager نشر "الكتب المتمددة  expended books" في الولايات المتحدة الأمريكية ، على أقراص مرنة  والتي ضمت تسجيل نصوص "مُطَوَّرَة". داخل برنامج خاص بالقراءة التفاعلية أو بمساعدة الحاسوب .
في فرنسا ، حاولت كل من منشورات لاروس Larousse في 1992 ، وإلياس Ilias في 1994 وأكاميديا Acamédia في 1996 اعتماد نفس الطريقة . ومنذ 1998 ، في الولايات المتحدة الأمريكية أولاً ثم في فرنسا فيما بعد . ومع بداية سنة 2000 ، ظهرت "الكتب الإلكترونية e-books " التي قدمتها وسائل الإعلام باعتبارها صورة (أفاتار) رمزية أخيرة للطبعة الإلكترونية. إن هذه "الكتب الإلكترونية" الجديدة قد اعتبرها البعض إعلانا عن انقلاب راديكالي في فعل القراءة . وزعم آخرون [2] ، على العكس من ذلك ، أن هذه الكتب الإلكترونية ، بعيدة كل البعد عن أن تشكل تقدمًا تكنولوجيًا حقيقيًا ، بل على النقيض من ذلك إنها تشكل تقهقرا مقارنة بما قدمته المعلوميات .
كيف إذن هو حالها اليوم ؟ أي تصورات واضحة قد تخفيها القراءة الرقمية بصيغة "الصورة" ، "أو" النص التشعبي" أو "النص texte" بشكل عام؟
I. القراءة في صيغة "الصورة image"
يعتبر مستقبل القراءة في صيغة "الصورة" غامض للغاية . لقد بذلت المكتبة الوطنية الفرنسية جهودا كبيرة لإنشاء مكتبة رقمية غنية منذ 1996 تضم ما يقارب
 000 300 مجلداً مرقمنا بواسطة (fac-simile)، وهي مجلدات متاحة عبر البوابة الإلكترونية " Tolbiac"من خلال 250 محطة خاصة ب "القراءة بمساعدة الحاسوب lecture assistée par ordinateur" موزعة بين قاعات متخصصة . حيث يمكن للقراء من ناحية الوصول بسهولة إلى نسخ إنتاجات أدبية وفكرية نادرة لمجموعات المكتبة الوطنية الفرنسية.
ومن ناحية أخرى ، من المتوقع أن يكون لديهم لغة توضيحية تسمح لهم بتحديد مقطع من نص أو صفحة ، أو لإضافة تعليقات ، أو تجميع هذه الملاحظات ونظريًا ، للحفاظ عليها في شكل ملفات محوسبة والتمكن من طباعتها ثم نسخها في أقراص صلبة. هذا على الأقل كان هو المبدأ في بداية إنطلاقها .
من الناحية العملية ، تُظهر التجربة أن ما يسمى "بمحطات القراءة بمساعدة الكمبيوتر" هي مجردة من القراءة على أقراص مرنة وأن إجراءات طباعة الأعمال تبدو معقدة ، مما يقلل بشكل كبير من الاستفادة من هذا النوع . القراءة المحوسبة من الجانب التطبيقي . تقترح المكتبة الوطنية الفرنسية عبر خادم Gallica  على الإنترنت 80000 من هذه المجلدات لعرضها في صيغة صور. غير أن النصوص الخام وحدها كانت هي القابلة للتحميل أو الطباعة الإلكترونية فقط.
يتم حرمان القراء العاديين الذين يستخدمون الإنترنت من موارد برامج "القراءة بمساعدة الحاسوب" المتوفرة داخل المكتبة الوطنية الفرنسية. بالفعل ، وانطلاقا من نفس مجموعة النصوص ، تظهر الانقسامات الأولى وأول "الشروخ الرقمية" بين مختلف الفئات من القراء من نفس المؤسسة في الوصول إلى النصوص ، وأيضا القراءة الرقمية ، وما بعدها وغيرهما من الأشكال الجديدة لنشر الأدب والمعرفة. منذ 1996 توقفت المكتبة الوطنية الفرنسية عن إثراء أرصدتها الرقمية بشكل ملحوظ .
وكيفما كان الأمر، فإن غاية القراءة الصورية ـ أي باستعمال صيغة الصورة ـ تفترض قبل كل شيء جودة عالية في الإنتاج بطريقة ال(fac-simili). لكن ليس هذا هو الحال دائما . إن فعل القراءة لم يتغير أبدا بسبب قدوم التكنولوجيات الحديثة . فمازلنا نواصل قراءة الصفحة الظاهرة أمامنا مثلما كنا نقرأ الصفحة المطبوعة ورقيا من قبل . إن ما نقصد به "القراءة بمساعدة الحاسوب" يعني التمكن من القدرة على إضافة هوامش حول النص المقروء مثلما نضيف هوامش بقلم الرصاص على هامش كتاب ورقي .
II. القراءة في صيغة النص التشعبي :
ما نسميه بالقراءة في صيغة النص التشعبي يستنتج منه مبادئ البحث الوثائقي بمساعدة الحاسوب التي تم تحديد أساليبها ومفاهيمها بين عام 1965 تاريخ ظهور "أبناك المعطيات " في الولايات المتحدة الأمريكية" و 1985 ، تقريبًا ، عندما تم اختراع مصطلحات النص التشعبي " hypertext" و" hypermédia". لقد كانت الخطة تروم تجميع  شذرات أو كتل من المعلومات بواسطة "رابط" أو"علاقة".
ومنذ سنة  1965 ، كان مشروع " Xanadu" لصاحبه تيد نيلسون قد توقع بالفعل ما وصل إليه الإنترنت في 2000 ، أي كشبكة ضخمة من قواعد المعطيات العلائقية ، والنصية ، والنص التشعبية ، أو الوسائط التشعبية ، التي نظمت على غرار نوع من مكتبة عالمية هائلة وفريدة من نوعها. "القراءة" ، أو بالأحرى "التجوال " أو" الإبحار" في النص التشعبي أو في الوسائط التشعبية يقتضي الانتقال من جزء مقروء إلى جزء آخر أو من صفحة إلى تسجيل صوتي أو إلى رسوم توضيحية ثابتة أو متحركة. فما يزال فعل القراءة لم يتغير في الجوهر .إن قراءة نص ما تروم عنصران هامين هما الامتداد والسرعة.
لكن "قراءة النص التشعبي" هي عملية تصفح سريعة لكمية هائلة من الوثائق . القراءة بهذه الصيغة تحقق مكاسب على مستوى الامتداد ولكن ليس على مستوى العمق بل وأقل من ذلك على مستوى الفهم للتعبير بكلمات إبستمولوجية . ومع ذلك ، ألا ينبغي ضمان القيمة النوعية للمعلومة !؟ في المقابل فالإنترنت قادر على تمييز الاختلافات. هنا تتشابك منشورات الدعاية والمراجع الأساسية بشكل وثيق . هناك أيضا عيوب أخرى تتعلق بالإفراط في المعلومات والميتا ـ معلومة والتي لا يؤدي الإنترنت سوى إلى تأزيم وضعها . فالقارئ ينهار بسرعة تحت طوفان المعلومات العابرة أكثر من المعلومات الثابتة والتي نحتار في التعامل معها . ماذا يعني أن تقرأ 340000 صفحة ويب على موقع Honoré de Balzac ، على سبيل المثال؟ إن عوائقه وتناقضاته تحد بشدة من غاية هذا النوع من القراءة. "
III. القراءة في صيغة النص
القراءة في "صيغة النص" مهددة هي أيضا . معظم الكتب الإلكترونية "ebook" التي قدمت كنسخ أولى في مارس 2000 في معرض الكتاب والنشر بباريس تجاهلت المصادر . لم يقدم أي إنتاج متطور أي توضيح للبحث سوى الوظيفة الموازية للبحث  “ Find ” لأنظمة معالجة النصوص. المعيار المرجح لكي يسود في هذا المجال الكتاب المفتوح " open book" هو الذي من شأنه أن يحفز هذا الاتجاه. في الواقع ، "الكتاب الإلكتروني" هو نوع من " الكتب " أو بالأحرى جهاز كمبيوتر محمول و"قابل لإعادة الشحن" ، والذي يمكنه الاتصال بجهاز كمبيوتر آخر متصل بالإنترنت. من خلال الاتصال بمواقع التحرير ، يمكن شراء نص ، وفي مقابل ذلك وباعتماد قانون الأداء لتحميله على "كتاب إلكتروني".
كما سيكون النص الذي تم تحميله سجينًا لهذا السند الإلكتروني. إذ لا يمكن قراءته على جهاز حاسوب آخر خارج جهاز القراءة  الأولي المحدد. ولا يمكن إعادة إنتاجه على "كتاب" آخر أو على حاسوب آخر. كما لن يكون من الممكن "قراءته " بواسطة برامج قراءة تفاعلية أخرى قد تكون موجودة ، مثل أنظمة Hyperbase من المعهد الوطني للغة الفرنسية ، Sato أنظمة تحليل النصوص بواسطة الحاسوب من جامعة كيبيك في مونتريال أو بواسطة برنامج Wordcruncher متعدد اللغات ، على سبيل المثال لا الحصر ، لبعض هذه المنتجات المتداولة في العالم الأكاديمي. وبعلاقة مع جميع النتائج التي تحققت في مجال صناعة اللغة ، والمعالجة المتطورة للغات وتطوير أنظمة القراءة التفاعلية ، فإن "الكتب الإلكترونية" تشكل من دون شك تقهقرا تكنولوجيا.
إن انتشار "الكتب الإلكترونية" قد يفضي إلى حرمان القراء من معظم إيجابيات النصوص الرقمية وصيغ القراءة المتعلقة بها . هناك أيضاً انفصال آخر ظهر بين وهم القراءة في صيغة "نمط النص" المحمول في "الكتب الإلكترونية" ، وأشكال القراءة في "صيغة النص" أكثر تطورا ، ولكنها خاصة بعدد قليل من الخبراء وتستثنى هذه "الكتب الإلكترونية".
وانطلاقا من هذا المنظور ، إن تعريف معيار "Open ebook" من قبل المعهد الوطني للمعايير والتكنولوجيا في الولايات المتحدة الأمريكية و( consortium international qui associe Nuvomedia, Softbook Press, Hitachi, Glassbook, Librius, Beterlsmann, Harper Collins Publishers, Penguin Putnam, Simon & Schuster, Time Warner Books et Microsoft)  سيفرض من خلال أوامره وتعليماته معيارا للقراءة الرقمية الضعيفة مقارنة مع ما يقدمه الكتاب التقليدي وما كانت قد قدمته التكنولوجيات الحديثة لعملية القراءة . إذا تم فرض هذا المعيار فإن جميع أشكال القراءة الذكية والمتطورة الخاصة بصيغة "النص" قد تتعرض للتهميش أوالإقصاء.
إن مستقبل القراءة التفاعلية مهدد بدرجة كبيرة بسبب ظهور "الكتب الإلكترونية" لعدة أسباب. أولها وأهمها من دون شك استمرار وجود حكم مسبق مزدوج ومتناقض ضده. من ناحية هناك قراءة "تقليدية" ، "كلاسيكية" متداولة من خلال الكتب المطبوعة والمتداولة في المدرسة ، وتمتد إلى القراءة الترفيهية التي يتم تعميقها أثناء العمل بالمكتبة. ومن جهة أخرى ظهرت أشكال القراءة "الجديدة" و " المتوحشة sovage" المرتبطة بالكتب الإلكترونية والنشر الإلكتروني لكن يتم تجاهلها من قبل المدارس وتنحصر على القراءة العالمة ، وكقاعدة عامة ،التي تتحاشاها المكتبات . سوف تتموقع مساهمة الكتب الإلكترونية الجديدة بين هاتين القراءتين . هنا ينكمن  الابتكار.وهنا ربما ، لن يكون هناك سوى وهم واحد. هنا ، في الواقع ، ربما لن يحدث سوى تقهقر واحدا إن لم نقل وضعا كاريكاتيريا ، مقارنة بما أثبته المعلوميات منذ ما يقرب من نصف قرن من القراءة واكتشاف أو إعادة اكتشاف النصوص. التحرير والقراءة في صيغة "الصور" هي أيضا مترددة. والمكتبة الوطنية في فرنسا لم تعد تخطط لإثراء المكتبة الرقمية إلى أجل غير مسمى التي بنتها بين عامي 1990 و 1996.
خلاصة :
إن مشاريع المكتبة الإلكترونية العالمية ، مثل مشروع Bibliotheca Universalis ، قد رسخت خطوتها . ومن الفرضيات ، كما تم تحليله من قبل ، فإن "القراءة بمساعدة الحاسوب" للنصوص التي يتم إنتاجها في صيغة "الصورة" لم تعمل سوى على تقليد فعل القراءة العادية لكتاب ورقي. ليس هناك إذن جديد . لاشيء تمت إضافته ولا تم تغييره . من ناحية أخرى ، فإن القراءة في صيغة "النص التشعبي" عرفت في المقابل استحسانا لكن هنا مرة أخرى ، يثار ما يسمى ب" التجوال " أو "الإبحار" بين كتل هائلة من النصوص لن يغير من عادات القراءة السابقة. حيث نقوم بتصفح "الكتب" و "النصوص" من دون شك بشكل أسرع . تكتسب القراءة امتدادها وسرعتها وكذلك سطحيتها . الاهتمام بها أحيانا هش جدا .
فيما يخص عملية النشر أو القراءة بصيغة "النص" ، فإن الخصائص التقنية للنسخ الأولى (prototypes) "للكتب الإلكترونية" التي قدمت في مارس 2000 في معرض باريس للكتاب والنشر تجعلنا نفكر إلى وجود تصدع آخر قيد التشكل والتنامي بخصوص قراءة ونشر في صيغة "النص". فمن جهة ، يسعى انتشار "الكتب الإلكترونية" إلى إطالة أمد الحياة على أسانيد قابلة للترحيل "الكتب الإلكترونية" ، وممارسات القراءة التي ستنقل أو تعيد صياغة مبادئ وأساليب القراءة في صيغة "نص تشعبي "، والتي سيتم تقديمها باعتبارها الإضافة الوحيدة "الثورية" للمعلوميات والتكنولوجيات الحديثة في مجال القراءة . من ناحية أخرى ، ستبقى هنا وهناك للنشر والقراءة التفاعلية التي سيستمر الدفاع عنها لوقت وجيز من قبل مجموعة قليلة من الأكاديميين والباحثين الذين سيحاولون الحفاظ وحماية تصوراتهم للنشر الإلكتروني والقراءة الرقمية بشكل دقيق . في غضون ذلك فالبنيات الخاصة بعالم النشر وطبيعة الإنترنت ستغير(مكتبة الإنترنت الكبرى) كما كان من المتوقع  أن تتحول إلى مجموعة كبيرة من المكتبات التي لن توفر تذاكر أدائها سوى مجموعة من كتب مغلوقة على نفسها [3]. قد يكون مستقبل القراءة التفاعلية سوى يوتوبيا أخرى ، عابرة ، لرواد قدموا قبل الآوان ...
الهوامش :
[1] Voir Virbel (Jacques) et Maignien (Yannick) : “ Le livre électronique et le concept de “ station de lecture assitée par ordinateur ” ”, in Vuillemin (Alain) et Lenoble (Michel) eds : Littérature, informatique, lecture : de la lecture assistée par ordinateur à la lecture interactive , Limoges, Pulim, 1999, p. 32-48.
[2] Voir Clément (Jean) : “ Le E-Book est-il le futur du livre ? ”, in Les Savoirs Déroutés , Lyon, Doc Forum-Enssib, 2000, p. 129-141.
[3] Voir Clément (Jean) : “ Le E-Book est-il le futur du livre ? ”, in Les Savoirs Déroutés , Lyon, Doc Forum-Enssib, 2000, p. 137.

0 التعليقات: