الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الجمعة، فبراير 22، 2019

في الحاجة إلى عمليات لتجميل العقول لا لتجميل الوجوه : عبده حقي


أصبح المغرب منذ ما يناهز عقدين من الزمن قبلة مفضلة للحالمات والحالمين بوسامة نادرة وبقد ممشوق لا تشوبه شائبة من مخالفات الطبيعة التي قد تبدو عند البعض أنها لا
تتناسق مع مقاييس الوسامة النسبية السائدة في المجتمع ..
أصبح إذن بلدنا والحمد لله يزخر بمختبرات لصنع الجمال وتقويم فلتات الطبيعة التي تقترفها خلسة في رحم الأمهات وتسويق مهارات جراحينا في الداخل والخارج .. ومما لاشك فيه أن تقويم هذه الانزياحات من خلال عمليات جراحية باهضة التكاليف يختلف من شخص لآخر ومن سيدة لأخرى لأسباب عديدة صحية ونفسية واجتماعية واقتصادية وأحيانا لأسباب لا مبرر لها تتعلق أساسا بمرض باطني خطير إسمه "الفشوش" عندما ترتبط عملية التجميل بالبذخ الزائد والتجوال السياحي فقط .
 تشير آخر الإحصائيات التي أنجزتها الجمعية المغربية للتجميل والتقويم إلى أن النساء تتصدرن إجمالي هذه الجراحات بنسبة 75% مقارنة بالرجال، وعمليات التجميل تهم شفط الدهون الطافحة عن حدود الجسد وإزالة بقع الوحم وزرع الشعر وتكبير أو تصغير الثديين وشد الصدر والوجه من أجل إعادة البريق إلى محياه و محو التجاعيد العميقة و الجراحة تتم وفق تقنيات خاصة وعالية الدقة . كما ظهرت في الآونة الأخيرة تقنية حديثة سمى «MACS LIFT» وهي من أحدث الجراحات وأكثرها تطورا لإزالة التجاعيد وإعادة النضارة والتشبيب للوجه.
ومن المفارقات العظمى في أجمل بلد في العالم أن عمليات التجميل هاته لم تعد تقتصر على الأوساط البرجوازية التي كانت إلى الأمس القريب تستقل الطائرات إلى باريس فقط من أجل إزالة حبة خالة أو ثالول (التولال) من موقع ما من صفحة الوجه بل إن كثيرا من الأوساط المحدودة الدخل صارت اليوم تقترض الملايين من البنوك ووكالات التسليف وتضخها في حسابات مصحات التجميل لتقويم أو تنفيذ روتوشات طفيفة قد تكون في غالب الأحيان غير ضرورية سواء على الأنف أو الشفتين أو الخدين ..إلخ
ليس هناك مقاييس ومعايير كونية للجمال الآدمي ومقاربتنا لصفة "جميل " أو "جميلة " تختلف وفق عوامل تربوية ونفسية واجتماعية وجغرافية أيضا تسهم كثيرا في تحديد ملامح وقسمات أشخاص قد يبدون لنا جميلين هنا والآن فيما يبدون في رأي الآخرين أقل جمالا ووسامة هناك في مدينة أخرى أو بلد آخر أو بيئة أخرى .
وبسبب هذا الاختلاف في مقاييس الجمال أبدعت الإنسانية مبارزات بين أجمل النساء في العالم أطلقت عليها "ملكة الجمال" في حين أننا في كثير من الأحيان نكون غير متفقين مع رأي اللجنة التي إنتقت تلك "الميس" من جهة وفيما بيننا من جهة أخرى .
وأعتقد أن لا جمال ولا وسامة مع القبح الأخلاقي ... فكثير من الأشخاص نساء ورجالا أغدقت عليهم الطبيعة بالخطأ وافرا من الحسن البراني في حين أنهم كان من الأولى أن تنعم عليهم بالحسن الأخلاقي لأنه في النهاية هو المحدد لطبيعة العلاقات الاجتماعية وصفائها ونقائها وحمايتها من الاختلالات والتفكك والانحلال .
فكم مجتمعنا في حاجة اليوم إلى مصحات لتجميل العقول أكثر من حاجته لمصحات لتجميل أقنعة الوجوه .

0 التعليقات: