مقالات . .انتفاضة 23 مارس 1965 عبد
الرزاق السنوسي معنى : وقعت بمدينة الدارالبيضاء خلال أيام 22 - 23 24
مارس 1965 حوادث خطيرة ، كانت بمثابة إدانة شعبية صارخة لسياسة الحكومة ،
إذ خرج
تلاميذ المدارس والثانويات في مظاهرات سلمية. نظموها احتجاجا على سياسة الحكومة في
تسريب قرار عبر منشور صدر في 19 فبراير 1965 من قبل وزير التعليم يوسف بلعباس ،
بطرد التلاميذ من المدارس والثانويات، وحرمانهم من اجتياز امتحان شهادة
الباكالوريا . كان القرار الذي اتخذته الحكومة في تلك الفترة كتطبيق للتصميم
الثلاثي بشأن التعليم ، حيث اتخذت إجراءات تقضي بأن يطرد من المؤسسات التعليمية
التلاميذ البالغون من العمر 15 سنة من السنة الأولى والبالغون من العمر 16 سنة من
السنة الثانية والبالغون 17 سنة من السنة الثالثة . بحيث أن التلاميذ الذين لم
يتمكنوا من الإلتحاق بالتعليم الإبتدائي أو الثانوي في السن المحدد لظروف ما،
أصبحوا مهددين بالطرد، والغريب في الأمر أن القرار، قد اتخذ قبل المصادقة على
التصميم الثلاثي الذي كان لايزال معروضا على مجلس النواب ، ولذلك قرر تلاميذ
وتلميذات المدارس والثانويات القيام بإضراب عام ، استنكارا لقرار وزارة التعليم ،
وبدأوا مظاهراتهم السلمية للتعبير عن استنكارهم لذلك المخطط الذي يجعل مصيرهم
مظلما ومستقبلهم مجهولا. ومن الصدف العجيبة أن الدكتور يوسف بلعباس حينما كان
وزيرا للصحة سنة 1962 هدد الأطباء العرب المتمرنين الذين اختاروا قضاء مدة تدريبهم
في المغرب بالطرد والتوقيف ، إذا هم شاركوا في إضراب مع الأطباء المتمرنين
المغاربة.
كان يوم 22 مارس يوم احتجاج وإضراب ، حيث تفرق
التلاميذ المتظاهرون في شوارع المدينة هاتفين "التعليم لأبناء الشعب"
... كان سن المتظاهرين يتراوح بين 10 سنوات و 17 سنة ، في البداية كانت الإنطلاقة
من مدينة الدرالبيضاء من مجموعة من المدارس ... والثانويات كثانوية محمد الخامس ،
الخوارزمي ، عبد الكريم لحلو ، الأزهر وغيرها ... والتحقت بهم الجماهير ليتحول
الإضراب إلى انتفاضة شعبية ، وإثر ذلك تدخل رجال الشرطة وأفراد القوات الإحتياطية
لتفريق تجمعات التلاميذ وتشتيت مظاهراتهم السلمية ، و كان رجال الأمن والسيمي
والقوة قاسيين في معاملتهم للمتظاهرين ، حيث واجهوهم بالضرب الوحشي وفي كل مكان من
أجسادهم مما جعل المتظاهرين يدافعون عن أنفسهم، خصوصا بعدما بوشرت عدة اعتقالات
جماعية في صفوفهم . وفيما بعد تدخل عموم المواطنين للدفاع عن أبنائهم وبناتهم ،
فما كان من قوات القمع إلا أن تتمادى في معاملاتهم الوحشية مستهدفين الجميع بما
فيهم الآباء والأمهات .
في صباح اليوم الموالي، أصبح الجو متوترا ، حيث
استمر الإضراب ومظاهرات التلاميذ المحتجين ضد قرار الطرد من المدارس ، كما أن هذه
الإجراءات مست الآلاف من العائلات في جميع مدن المغرب، وهو الأمر الذي أدى إلى
اندلاع هذه الإنتفاضة ، وسرعان ما عززت صفوف المتظاهرين بآلاف من الشباب . وفيما
بعد اطلقت المسيرات الإحتجاجية للتلاميذ والطلبة في بعض المدن المغربية كمدينة
الرباط وفاس (التي كنت أحد المتظاهرين بين تلاميذ مدرسة بن الخطيب و بن دباب بحي
المصلى ، وتلاميذ مدرسة "المعلمين" ، التي يتدرب فيها المتخرجون من
المعلمين) .
انفجر غضب الجماهير في انتفاضة شعبية عارمة ،
ركزت هذه الجماهير الثائرة في الدارالبيضاء هجوماتها على السجن المدني ، وعلى
مراكز الشرطة ، وأضرمت النيران على مخازن التمويل . وتوقف العمال عن العمل وأغلقت
المتاجر وكانت إضرابات شاملة وعامة والجميع يصب غضبه واستنكاره للقمع والتعسف الذي
شمل كل شرائح المجتمع . و رفعت شعارات تندد بقمع الطلاب مما أدى إلى وقوع اشتباكات
عنيفة بين رجال القوة وعموم السكان، حيث كانت مدينة الدارالبيضاء وبعض المدن
المغربية بعد ظهر يوم 23 مارس مسرحا لأحداث خطيرة ، واجهها النظام المغربي بالقوة
والقمع والعنف ، حيث تدخلت قوات الأمن بإشراف الجنرال محمد أوفقير بإطلاق الرصاص
الحي على المتظاهرين في الأحياء الشعبية . حيث كان يتتبع الأحداث عبر مروحية تجوب
أجواء الدارالبيضاء ويعطي الأوامر باستعمال النار على المتظاهرين. خلف استعمال
الرصاص الحي وتدخل القوات المساعدة ، سقوط العديد من القتلى ومئات من الجرحى
واعتقالات واسعة في صفوف التلاميذ والطلبة وعموم المواطنين . واكتسحت الدبابات
ليلة 23 مارس الشوارع وفتكت بمئات العمال والشباب والعاطلين نساء ورجال.
كانت أحداث على جانب كبير من الخطورة، حيث نزلت
قوات الإضطهاد والقمع على التلاميذ والطلبة المتظاهرين بالأزقة والشوارع مدينة
الرباط، حيث كان الضرب والإعتقالات في صفوف المئات من الأطفال والتلاميذ والطلبة ،
التي استعملت جميع وسائل القمع لتفريقهم ، ومن بعد اتجه المتظاهرون إلى مقر وزارة
التعليم وأخذوا يهتفون مرددين شعارات مثل : "اعطوا الكلمة للشعب" و
"بلعباس سير فحالك التعليم ماشي ديالك " ، وقد هبت قوات هائلة من رجال
الشرطة والسيمي والقوات الإحتياطية وأخذت تشتت المتظاهرين بقمع وحشي متناهي
ومستعملة القنابل المسيلة للدموع و الرصاص الحي .
وفي ظل تلك الأحداث المؤلمة تم حجز جرائد الحزب
وهي: المحرر و "ليبراسيون" و "الأهداف" من طرف الرقابة ،
وأصبحت المراقبة البوليسية مستمرة لأسابيع على مطابع دارالنشر المغربية، حيث كانت
تطبع جرائد حزب القوات الشعبية، وذلك من أجل ضرب الحصار على أحداث القمع الدامية .
على إثر حوادث الدارالبيضاء الأليمة شكل مجلس
النواب لجنة بحث برلمانية ، باقتراح من الفريق النيابي الاتحادي ، كما استجوب رئيس
الفريق المرحوم الدكتور عبد اللطيف بنجلون الحكومة حول الحوادث التي عاشتها
الدارالبيضاء والرباط وبعض المدن الأخرى، حيث أبرز العنف الذي لم يسبق له مثيل
والذي استعملته قوات القمع ضد الشباب الذين تظاهروا تلقائيا وسلميا للإعراب عن
سخطهم على قرارات وزارة التعليم الرامية إلى طرد آلاف التلاميذ من المدارس
والثانويات .
وبعد أحداث مارس الدموية، قدم الملك الراحل
الحسن الثاني خطابا ... وصف فيه المدرسين بأشباه الفتنة . ثم بعد هذه الأحداث
الخطيرة اتصل الملك الراحل الحسن الثاني بالفقيد عبد الرحيم بوعبيد واقترح عليه
تشكيل حكومة لإنقاذ الوضعية ... و بعد المفاوضات بين المعارضة والقصر، صرح عبد
الرحيم بوعبيد لجريدة "الفيكارو" الفرنسية ما يلي : "إننا لبينا
نداء الملك فزرناه .ولم نكن نريد أن نسلك سياسة ترك ماكان على ماكان حتى الإنهيار.
ولم ننتظر كذلك احداث جديدة والقمع الذي يتولد عنها ، وقد تركت الأحداث الأخيرة في
الدارالبيضاء أثرا عميقا ، إننا نتمنى أن نخدم بلادنا في إطار الملكية التقليدية
التي للملك فيها دور عظيم ، ولكن بحكومة مسؤولة ... وعن سؤال هل أنتم مستعدون
لمزاولة الحكم ؟ أجاب عبد الرحيم ولم لا؟ هذه هي القاعدة الديمقراطية ... إننا في
وقت خطير بالنسبة لبلادنا ، نلبي نداء العاهل ونتمنى أن يفهمنا ، وإني على يقين
أنه طال الزمن أم قصر ، فإن الملك سيتفاهم معنا دون تنحية الآخرين " .
وبعد شهرين عن الأحداث جاءت إجراءات سياسية
منها، سيعلق الملك الدستور ، ويحل البرلمان ، ويقيم حالة استثناء في 7 يونيو 1965
خلال خمس سنوات، حيث أصبحت جميع السلطات في يد الملك ، ثم الإختطاف والإغتيال الذي
تعرض له الشهيد المهدي بنبركة في 29 أكتوبر 1965 . وهيمن الجمود في الحياة
السياسية وأدى ذلك إلى محاولة الانقلاب الفاشلة الأولى في 10 يوليوز 1971 والثانية
في 16 غشت 1972 .
وفي الألفية الثالثة ، وبعد طي صفحة الماضي
الملوث بانتهاكات حقوق الإنسان وسنوات الجمر، جاءت التحريات المتعلقة بضحايا مارس
1965 ، والتي أقرت بحدوث وفيات ، وحسب المعلومات المسجلة بالسجل الخاص بمصلحة حفظ
الأموات الموجود بدار بوعزة بالدارالبيضاء ، وصل عدد الأشخاص المتوفين بسبب
الإصابة بالرصاص إلى 31 حالة وفاة ، ورد ذكر 19 إسما متوفى من أصل 31 مع ذكر
عناوين بعضهم . ومن بين المقاطعات التي تم تسجيلها خلال أيام 23 - 24 - 25 - مارس
المقاطعات الثالية : 1 - 4 - 6 - 7 - 8 - 13 - ثم أيضا مصلحة حفظ الصحة للمدينة
وسيارة إسعاف تابعة للجيش، وعلى ضوء التحريات أن العدد الإجمالي لهؤلاء الضحايا
بلغ 55 منهم من تم دفنهم من طرف ذويهم بمقبرة سباتة فيما دفن الخمسون الآخرون
بمقبرة الشهداء ومازالت هوية 21 منهم مجهولة .
ثم 29 قبرا بمقبرة الشهداء أصبح بأسمائهم أو
بأرقام تدل عليهم ، بعد أن ظلوا أكثر من أربعين سنة مجهولون، علما أن هناك مقابر
أخرى لم يكشف عنها ... أما الحصيلة فقد كانت تفوق 500 قتيل (بل هناك جهات صرحت على
أن الحصيلة أكثر من 1000 ضحية) والمئات من الجرحى، وكانت حملة مطاردات لآلاف من
المواطنين الأبرياء وشملت الإعتقالات الواسعة للعديد من المواطنين حسب المتتبعين
مغاربة وأجانب.
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 23 - 03 - 2009
0 التعليقات:
إرسال تعليق