الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الجمعة، يوليو 23، 2021

حوارمع شيخ الشعراء الدكتورمحمد السرغيني (الجزء الثاني) حاوره : عبده حقي


تم إنجاز هذا الحوار حصريا لمجلة الثقافة المغربية في عددها 37 الذي تمحور حول (الشعرالمغربي المعاصر)

تقديم :

حين عزمنا على إجراء حوارفي موضوع الشعرالمغربي المعاصر، خاص بمجلة الثقافة المغربية ، لانخفي أنه قد إنتابنا قلق بصعوبة هذه المهمة التوثيقية التاريخية العظيمة ... من أين سنبدأ رحلتنا زمنيا وفي أية محطة سنتوقف إذا كنا مجبرين على التوقف ونحن قد

حققنا غايتنا بالعبورعلى كل الجسور والإنقلابات البنيوية والجمالية التي طالت جسد القصيدة المغربية منذ القديم . وكان علينا أن نعود حتما إلى النبع الريان ، العميق والشاسع ... ولم يكن هذا النبع سوى أحد رواد الشعر المغربي المعاصرالدكتورمحمد السرغيني الذي راكم تجربة ناهزت الستون سنة خبرفيها عباب كل البحور الشعرية من العمودي التقليدي إلى الهايكوالوميض أخيرا، خبرها بالطول والعرض كتابة وتحليلا وتدريسا وبناءا وهدما وجيليا وجماليا ... وبالرغم من عودتنا هاته إلى هذا المصدرالموثوق به شعريا فإننا لن ندعي أن حوارنا قد أحاطا بكل ذخائرونفائس هذه التجربة الشعرية المغربية المتفردة بحيث للإجابة على كل الأسئلة يلزمنا كم من جلسة وحوارمع الدكتورمحمد السرغيني ...

قد لاأغامربالقول أن شيخ الشعراء المغاربة هواليوم أب القصيدة المغربية الحديثة وهوأكثرمن هذا شيخها الأوحد والواحد المتبقى الآن في المغرب أمد الله في عمره :

س : عندما نتحدث عن الشعر المغربي المعاصر كيف نحدد هذا الشعر زمنيا؟

ج:القضية في نظري شخصيا إذا كنا نعتبر (ال) الموجودة في الشعر تغرق جميع  أنواع الشعرفالشعر كان موجودا قبل هذا الوقت ، لكن إذا كانت (ال) تعود على الحركات التحليلية في الشعر المغربي انطلاقا من أوائل الخمسينات إلى ما بعد فهذا أمرآخر بحيث يمكن أن نتحدث عن فلان وفلان .. باعتبارهم شاركوا في إيجاد هذا الانقلاب . لقد كان الناس يكتبون القصيدة العمودية ولا يكتبون القصيدة العمودية بشكل فيه التجييل ولكن كانوا يكتبون القصيدة العمودية في إطارها القديم ككل على جميع المستويات اللغوية والتعبيرية .. الخ لكن بعد ذلك أخذ نوع من الانفراج يقع ونتيجة لهذا الانفراج تنبه الناس إلى أنه في الإمكان أن يكتب الإنسان قصيدة مغايرة ، هذه العوامل التي دعت إلى الانقلاب هي ما وقع في الشرق من تغير ، ثانيا المغاربة كانوا سباقين إلى قراءة الشعر باللغتين الفرنسية والإسبانية وتنبهوا إلى نقل الكتابة الشعرية ومع ذلك حافظوا على الأطرالأساسية في القصيدة والتي منها وحدة البيت وانقسام البيت إلى صدر وعجز والعروض والقافية وشيئا فشيئا بدأنا نتخلص من هذه الأشياء. يبدو لي أن سبب تخلصنا من هذه الأشياء أننا كنا نقرأ الشعر المهجري في بداية الخمسينات وكان هذا هوالشائع وتمخض عن الشعر المهجري ثورة في مصر أعطتنا جماعة أبولو . إن هذه التمخضات جعلتنا نبحث عن طريق لكتابة الشعر، لقد كنا نكتب الشعر الوجداني بالمعنى العام سواء كان ذاتيا أوجماعيا.

بعد ذلك أخذنا نكتب شعرا لا علاقة له باللحظة المعيشة الحالية.. اللحظة المعيشة في ذلك الوقت كانت تعني الانخراط العضوي في السياسة بما كانت ثورات سياسية انقلابات جعلتنا نزداد اتصالا بالشعر الغربي وخاصة الشعرالذي يناصر الإنسان ككل.

س:هناك العديد من الأنماط الشعرية التي تشكلت وتطورت في مسار الشعر المغربي المعاصر منها العمودي التفعيلي والحروالعنقودي والنثري وأخيرا الهايكو، ما هوالنمط الذي شكل نتوءا بارزا في هذه الظاهرة.؟

ج:إنها ظاهرة نتجت عن تحول انتقلنا إليه ، لكن هذه الظاهرة لم تعش طويلا إذ سرعان ما قطعنا الصلة مع العروض والقافية وانتقلنا إلى التفعيلي والآن قطعنا الصلة مع التفعيلي إلى ما يسمونه قصيدة النثر معنى ذلك أن الإمكانيات المعاصرة التي نعيشها جعلتنا لا نقيم مدة طويلة فيما وصلنا إليه وانتقلنا بهذه السرعة وآخر ما وصلنا إليه في اللحظة الراهنة هو نمط الهايكو الياباني

س:هل يعني هذا أن الشعر المغربي المعاصرقد فك إرتباطه بالمرجعية المشرقية؟

ج:الآن استبدل الشعرالمرجعية الشرقية بالمرجعية الغربية بنسبة عالية إننا ونحن نقرأ للشعرالذي ينتجه الغرب مباشرة وخاصة منه الشعرالفرنسي الإسباني والإنجليزي والروسي هذه القراءة تجعلنا نقع في مشكلة . ما هي هذه المشكلة؟ نحن نقرأ شعرا هو نتيجة لحضارة معينة يعيشها الناس حرفيا ونحن نقلدهم ولم نصل بعد إلى ما وصلوا إليه هذا هو ما يمكن أن يعاب على هذه الفترة التي نعيشها نحن.

ولسنا نحن فقط في هذه المشكلة فهناك اللبنانيون والمصريون خصوصا من جيل الشباب.

س: الكثير من النقاد يؤكدون على أن مرحلة التأسيس في الشعر المغربي المعاصر هي مرحلة الستينات فيما يرى آخرون أن مرحلة السبعينات هي الأجدر بهذه التسمية وهنا ربما نعود إلى ذلك الجدال الساخن الذي دار في السبعينات والذي فجره شعراء شباب وقتئذ مثل محمد بنيس.؟

ج:هذا الجدال التافه أثاره متأخرون وتضررمنه متقدمون.. قبل الستينات كان ينشر محمد الصباغ قصائده في مجلة الأنيس في نهاية الأربعينات وطيلة الخمسينات.. فلا يمكن أن ننسى الخطوات التي قام بها هؤلاء الرواد .. قضية الريادة هي قضية مصطنعة صنعها النقد فقط وهي لا تقدم ولا تؤخر في دراستنا للشعر على الإطلاق بدل أن نقول فلان سبق فلان نقول إن فلان سبق فلان في فتح الطريق أمام تيار شعري ولكننا لا نقول ما يقوم عليه هذا التيار.

س: ألا يمكن إعتبارأن الثلاث أسماء التي برزت في مطلع الستينات مثل الدكتور محمد السرغيني ومحمد الخمار الكنوني وأحمد المجاطي هم من أسسوا لظاهرة شعرية متفردة بامتياز بصمت الشعرالمعاصر؟

ج:يمكن ولكن هذا التشكل لم ينتج عنه أي شيء ، بل يمكن أن يقال ذلك باعتبارأن هؤلاء الأشخاص الذين ذكرت أسماءهم بعضهم قد دراسوا في الشرق العربي وعايشوا الانتفاضات والثورات التي وقعت في الشرق التي انتهت بانتصارالقوميين مثل جمال عبدالناصروحزب البعث بصفة عامة ، هؤلاء الشعراء رجعوا إلى المغرب بهذه الرؤى وحتى في الشرق التغيير الذي حدث في قصيدة التفعيلة خاصة مع السياب كان واقعا في هذا النطاق ومنهم أيضا البياتي ... هؤلاء الشعراء المغاربة الثلاث الذين ذكرت عادوا إلى المغرب بهذه الحمولة الشرقية التي تلقوها ولكنهم كانوا شاعرين بوجوب جعل ما يكتبون شعرا مغربيا صرفا.ولذلك التمسوا الكتابة في بعض الأشياء ذات النكهة المغربية.

س : نعود مرة أخرى إلى مقولة الريادة فالتأسيس فقد أثارجدلا ونقاشا حادين حول أحقية هذه التمسية على اعتبار أن جيل السبعينات الذي حسب زعم بعضهم أنهم هم من شكلوا الانطلاقة الحقيقية لهوية شعرية معاصرة بالمغرب هل هذا صحيح؟

ج : ليس صحيحا على الإطلاق كل ما يمكن أن يقال أن جيل السبعينات أراد أن يبحث لنفسه عن موقع في هذه الخطوة فادعى ذلك لكن مقارنة بسيطة بين شعر الستينات والسبعينات يخرج الإنسان منها بهذه القضية : إن جيل الستينات كانوا على بينة دقيقة من الكتابة الشعرية ومعنى ذلك أن ميراثهم الشعري كان حاضرا وبارزا ومعنى ذلك أيضا أن مخلفاتهم بنوها بطريقتهم الخاصة أما هؤلاء السبعينيون فلم يبنوا طريقتهم على ما حصل عليه الستينيون بل خيل اليهم أنهم قاموا بعمل جبار ولذلك كثيرا منهم ابتعد عن النطاق اليساري واخذوا يسبحون في الأطر العامة كما لو كانوا شعراء ينتمون إلى حضارة خاصة.

س : رايكم في ظاهرة التحقيب والتجييل في الشعرالمغربي المعاصرنقول مثلا جيل الستينات جيل السبعينات والثمانينات ..إلخ أو جيل النكبة جيل الواقعية الإشتراكية ...الخ.

ج : كل تحقيب وتجييل هو نوع من الافتئاس ، لماذا؟ لأن الجيل الحاضر يريد أن يبحث لنفسه عن ما يميزه عن الجيل السابق ثم إن النقد الذي يواكب الجيلين هو من يستطيع أن يظهر خصوصيبة التيار الفلاني عن التيار الفلاني وهذا شيء لم يقع لحد الآن..فالتجييلات والتحقيبات لا يمكن أن تخدم إلا إنسانا يضع مؤلفا كبيرا للحديث عن شعر امة معينة وتقسيم مراحل إلا شريطة أن يذكر كل حقبة بما تمتاز به في طريقتها عن لاحقتها.

س : على كل حال التحقيب يجب أن يكون تحقيبا ظاهراتيا وتياراتيا وليس زمنيا فيزيقيا أي عشريا... 

ج : سواء أكان ظاهراتيا وعشريا هي خدمة نقدية لا يرجى منه شيء...

س: واكبت دكتور محمد السرغيني عن قرب النهضة الشعرية في المشرق خصوصا في العراق إلى أي حد اسهمت هذه التجربة في تشكل القصيدة عند محمد السرغيني وبالتالي في الأجيال اللاحقة من الشعراء الشباب .؟

ج: لقد عشت في العراق بين 1952و1959 وتلك الفترة كانت ثورة شعرية في العراق بالنسبة لجيلنا من المغاربة وكنت اتصل بالكثير ممن يمثلونها هناك الا السياب لم استطع أن اتصل به.

س: ما هي الأسماء التي كنت تتصل بها؟

ج: عبدالوهاب البياتي وحسين مردان ولميعة عياش عمارة في ذلك الوقت اكتشفت أن ما عشناه في المغرب من معركة بين جيل المؤسسين والجيل الذي تلاه كانت أيضا موجودة في العراق فكل واحد منهم كان يعتقد انه هو من اسس للظاهرة لكن من الوجهة الموضوعية الخالصة لم يكن هناك شاعر أجود من السياب لان السياب في نظري كان من أكثر الشعراء العراقيين الأكثر اتصالا بالفكر اليساري الغربي لأنه كان يقرأ مباشرة بالانجليزية وهذا قد شهد به الناقد العراقي الفلسيطيني الأصل جبرا إبراهيم جبرا ..كان يكثرقراءة الشاعرة الانجليزية إديث سيتويل لها في قصيدتها الشهيرة (The rain) يعني المطروعنها كتب السياب قصيدته (مطر..مطر..مطر) تحس بأنها قصيدة عراقية وأيضا عندما تقرا قصيدة (الموسس العمياء) تحس بالنكهة العراقية بالإضافة إلى الموضوع الإنساني التي تشتمل عليه ومهما يكن من أمر فأنا قبل أن أسافر إلى العراق من أجل إستكمال دراساتي العليا كنت تحت تأثير الشعرالمهجري لأنني كنت أكتشف من ورائه أنه يخدم الإنسان ولكن فيما بعد لما اكتشفت أن اغلب شعراء المهجر كانوا مسيحيين ومتدينين فهم كانوا يضعون الصورة للإنسان هي صورة مسيحية فالله خلق العالم على صورته أي خلق الإنسان فاكتشفت على أنني كنت أسير في نفس السياق وهذا كان خطا كان يجب أن أتحول عن هذا أي عن طريق اليسار وخاصة خلال إقامتي في باريس اكتشفت انه يجب الإشادة بالإنسان عن طريق الإنسان ومن هنا أخذت الأمور تأخذ بعد آخر وهذا البعد لا يزال مستمرا إلى الآن.

س : دكتورمحمد السرغيني بكل صراحة هل يمكن أن نعتبرأن ظاهرة الشعرالمغربي المعاصرقد انتهت اليوم؟

ج : لا يستطيع الإنسان أن يقول عن ظاهرة الشعر أنها انتهت أوأن يبحث بشكل دقيق اركيولوجي عن وقت بدايتها .. لا إطلاقا كل ما يمكن أن يقال أن تيارا شعريا يظهر ثم ينتشر ويجد كثيرا من الناس يقبلونه كمنتجين وكقراء وبعد أن يعيش مدة من الزمن يخفت ويقل ويكون ذلك دلالة على أن الشعراء اكتشفوا أنهم استقطبوا ما في هذه التجربة وهم بصدد البحث عن تجارب أخرى إنا افضل عن ذلك أن ينتقل الإنسان الشاعر من تجربة إلى تجربة أخرى وليس هذا الانتقال ميكانيكيا أو مدعاة إلى تقليد شيء من الأشياء ولكنه شعور من الشخص بان ما يجود فيه الآن قد أعطى مهمته وانتهى عليه إذن إن ينقب ويفتح طرقا أخرى.

س : بعد هذه التجربة الشعرية الطويلة التي ناهزت نصف قرن أو أكثر قليلا ما هي حصيلة "الشاعر محمد السرغيني الآن؟

ج : أنا اعتبر الحصيلة جيدة .

س : هل تتحدث هنا عن تجربتك الشخصية أم التجربة الشعرية بصفة عامة؟

ج: إنني أتحدث عن الحصيلة كلها إنها جيدة من حيث الكم قبل هؤلاء الشعراء الآن كنت تفتح عينيك على طول الخارطة المغربية وكنت لا تجد الشعراء إلا في المدن الرئيسية أما الآن فآنت تحتار بحيث هم موجودون حتى في القرى ويكتبون الشعر الجيد الشيء الذي يدعو إلى القول بان انتشار الشعر غير محدود...وباللغتين العربية والفرنسية فقد راقني احد الشعراء من ضواحي فاس يكتبون بشكل جيد، إذن من حيث الكم هناك الفائدة وبالتالي فالكم سينتهي في النهاية بإعطاء الكيف.

س: كلمة أخيرة عن هذا المحور الخاص بالشعر المغربي المعاصر والتي ستعتبر شهادة تاريخية من احد رواد الشعر في المغرب والعالم العربي.

ج:يجب على الشعراء الذين تحملوا مسؤولية الكتابة الشعرية أن يتخلصوا من بعض الصبيانيات .. ما هي هذه الصبيانيات؟ الجري وراء الشهرة بالحق أو بالباطل والجري وراء الحصول على الجوائز والجري وراء التقليد الأعمى للأشياء الجديدة في الغرب دون التعمق فيها...أنا لست ضد أن يكتب الإنسان قصيدة على شكل الهايكو ولكن أن يكتبها وهو مغربي صرف.

س: هل ما زال للقصيدة المغربية هوية؟

ج:الهوية التي يقال إنهما توجد في القصيدة إنها هوية مصطنعة ..إنها حربائية فهي عند الشاعر فلان تعني شيئا وعند شاعر ثاني تعني شيئا آخر فالقصيدة تتحكم فيها الظروف الحالية التي نعيشها وهي ظروف اجتماعية وسياسية واديولوجية فالقصيدة لا يمكن أن تكون قصيدة إلا إذا عبرت عن جميع مظاهر الحياة الإنسانية لكن أنا ضد تعمد إدخال هذه الأشياء في الشعر.

 

0 التعليقات: