الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الاثنين، يوليو 19، 2021

حوارمع القاص والسينوغراف والتشكيلي عبد المجيد الهواس *أنجز الحوار: عبده حقي


*أجري الحوار بتاريخ 12 يوليوز1999 بمقهى الميناء بمدينة أصيلة وقد نشر بجريدة المنظمة شهر غشت من نفس السنة .

بمناسبة إعادة نشر هذا الحوار نبارك للأستاذ عبدالمجيد الهواس حصوله على الدكتوراه في أوائل شهر يوليوز الجاري في موضوع "" الدراماتورجيا العاصرة وتحديات الالفية: تجارب المسرح المغربي من 2007 الى 2017."

الحوارمع عبدالمجيد الهواس لايحتمل نقطة النهاية ، إنه لقاء يغريك بالنبش في ذاكرة الطفولة الملهمة وتقليب أوراق اليافع الباحث عن هوية إبداعية وأخيرا الشاب القاص والسينوغراف والتشكيلي خريج وأستاذ بالمعهد العالي للفن والتنشيط المسرحي بالرباط ، وقد

أجرينا معه هذا الحوارمن أجل أن نلملم في مدارته ماتفرق في مجالات إبداعه القصصي والمسرحي والتشكيلي .

س : بداية حدثنا عن حكاية تورطك في الكتابة ؟

ج :  مثل الفاكهة المحرمة ابتدأت علاقتي مع الكتابة..

كان أبي حريصا على أن نطلع على أي كتاب يخرج عن إطار المقررات الدراسية، حرصا منه على تربية "مثالية" ... كانت ثمة دائما بالبيت كتب مقفلة.. مثل غرف سوداء.. وكانت لي أيضا غرفة سوداء.. بابها مقفل إلى الأبد ألجها عبر النافذة.. كان أجمل شيء في الأمر أن أبي لم يحرص أبدا على صلاح ذلك الباب.. فظل ينادي علي كلما تأخرت داخلها فأبرر اختفائي بأني أصلي.. قرأت صلوات جبران.. وتهت كثيرا في معابده، وحلمت كثيرا في تلك العتمات الرطبة.. وركضت في براري الخيال متجاوزا تلك السياجات التي يرسمها البيت.. فابتدأت الكتابة مثل فرجة استثنائية على عوالم نائية كانت تحجبها عادة التفاصيل الكئيبة للبيت لتشكل تلك اللذة التي نلتهم ربها عادة فاكهة مسروقة.

س : ماهو شعورك وأنت تحصل في أواسط الثمانينات على جائزة صحيفة اليوم السابع للقصة القصيرة ؟

ج :  أواسط الثمانينات كنا لازلنا نعتقد بأن مكاتب الملاحق الثقافية بالجرائد هي الأكثر جدية في كل شيء وأن الهاجس الأدبي والفني هو الهاجس الوحيد الذي يحكم تلك الصفحات ، لم نكن نعرف بأن المسألة هي أيضا مرتبطة بانتماءات حزبية وصداقات أو بأسماء معروفة .. لكني أدركت بعد جائزة اليوم السابع بأن اعترافا من الخارج يحسم في أمر كل التساؤلات ويفتح كثيرا من الأبواب المقفلة.

للتويج قيمة رمزية ودفعة معنوية كبيرة لكنه أبدا لايحسم في أمر الكتابة كما يحسم في أمرها البعض كما لو كانت شهادة مدرسية.

س : وماهي القيمة العنوية لهذه الجائزة على المستوى العربي ؟

ج : على المستوى العربي ، كان هناك"مستوى عربيا" ونضالات عديدة على جميع الأصعدة.. لم تكن الثقافة ولا الأدب ولا السياسة قد عرفت كل هذه الانكسارات التي تعرفها الآن ، كان الكاتب والكتاب يشكلان قوة رمزية أكثر مما هو عليه الآن في مجتمعاتنا.. حصدنا كثيرا من الخيبات في الطريق.. وإبتدأت  هناك أصوات متفردة للأجيال الجديدة تحفر خطوطها بعمق في حياتنا الثقافية.. أصوات كثيرة رحلت في دهاليز المرض والصمت والتهميش وأصوات أخرى قد حصل لها نفس الشيء.. لن نأسف على موتانا.. لكني أتساءل وفي أواخرهذا القرن لماذا لا نجد ولم مجلة أدبية واحدة تعنى بجدية بأدبنا المغربي رغم تعدد الهيئات والمؤسسات الثقافية التي تدعي حرصها على أهمية الثقافة والكتاب في تكوين المجتمعات.

س : وكيف جاء تورطك مرة أخرى في عالم الرسم والصباغة والتشكيل والمسرح ؟

ج : في البيت أيضا كنت أرسم تحت أغطية السرير"قصة الفاكهة المحرمة مرة أخرى" أرسم واتلف ذلك فيما بعد ثم وجدت تصريفة لنشاطي المحظور إذ بدأت اهتم بالخط وبرسم الآيات القرآنية.. لا يشفع لي ذلك في أن يوافق أبي على أن أدرس الفنون التشكيلية.. خلسة أيضا بدأت أمارس المسرح ويوم التحقت بالمعهد افتتنت بكتابات "كوردن ادوار كويك" وأبحاث "ادولف آبيا" عن الفضاء المسرحي ومن ثمة أخرجت الرسومات التي كنت ادفنها تحت أغطية السرير وبدأت ادرس السينوغرافيا بجد.

س : كيف تحدد أهمية السينوغرافيا في أي عمل مسرحي ؟

ج :  أثناء الدراسة كانت أستاذة مادة الرقص تسألنا دائما نذهب في الشارع منكسرين كانت تحثنا بأنه ننظر بمستوى الأفق حيث الرؤية تبدو أشمل وحيث الإنتباه التفاصيل صغيرة يكون بديهيا تتحسن أيضا حالة، التنفس فيظهر العمق والألوان والأحجام والشخوص.. بصفاء أكبر، كل ذلك يحضر أثناء عمل مسرحي.. التشكيل والمادة والضوء هم نمط حياة أولا.. أن يكون عملا مسرحيا ناجحا هو أن يكون منبع دقة في الملاحظة وقدرة على اقتناء تفاصيل دقيقة عادة ما تكون جوهر الأشياء.. إذن فالسيينوغرافيا هي خلاصة كل ذلك.. أن ترى أبعد مما تراه حين تطأطئ رأسك..

س : كان لعملكم المسرحي الأخيرأصداءا هامة على المستوى الوطني حدثنا عن أسرارنجاحكم؟

ج :  كانت أصداءا طيبة لكن هذا لايكفي إذ يسهل أن "تصنع" أصداءا طيبة عن أي عمل مسرحي في بلادنا بمجرد تنظيم حفلة سمر حميمية مع مجموعة من الصحفيين لتحسيسهم بأهمية العمل المسرحي ، لكن الأصداء الحقيقية هي عادة لا تنطق بقدر ما تحس، فتنمو الرغبة في مشاهداتك لاحقا العمل المسرحي الجيد لايصنع فقط بالأفكارالجيدة وحسن النية.. أو بتصفيفات الجمهور. يصنع من داخل العلبة إياها من الحرص على التفاصيل أيضا من احترام المهن التقنية التي تصنع تفاصيل الفرجة.. إن ضاءات جيدة قبل أن تكون فكرة أو شغفا فإن ثمة يد تديركاشفات الضوء فتلسعها الحرارة لأنها تؤمن بسحر ما يقع.. كذلك يحدث أن يختلف عرض عن عرض آخر.. إن أهمية العمل المسرحي هي أيضا في صدق كل هذه الترتيبات.. حين وصلنا إلى مسرح"لاكوميدي دورانس" وجدنا الحرص ذاته على أن تكون العروض جيدة.. نتحدث كيمياء سحرية بين الخشبة والصالة.. أجمل ما سمعناه عن عروضنا المسرحية.. أعمق مما يقوله النقاد، بين الرباط والبيضاء ورانس هو أن تلتقي تقني المسرح في صباح الغد فيقولون لك:"ياه !. لم تكن ليلة الأمس.

س : كيف يمكن لأديب وكاتب بشكل عام أن يستفيد من جماليات السينوغرافيا ؟

ج :  العكس هو الصحيح.. السينوغرافيا تمتح من الأداب.. تبقى الراوية أعمق.. إن العمل الأدبي الرائع هو الذي يجد مكانه لذى أي متلق.. أمام القدرة على التخيل والإبداع تنتفي كل الحدود بين قارئ مهتم وقارئ هاو.. الخيال يصنع كل هذا لذلك في المسرح ليس هناك متلق غيرخبيرالخبرة/العمق ذاته الذي تحمله الكائنات منذ أول التكوين.. الجمال هو كيف نرى ذلك من زاوية متعددة.. السينوغرافيا في عمل مسرحي ما هي صدى ما يخلفه ما قرأناه وما رأيناة.. هي ما نراه الآن ونوجهه كل ذلك عبرالخطوط والايقاع والألوان.. الايحاءات تأتي أولا من النص الأدبي.. بعدها يصيرالنص مبررا لخلق الفرجة.

س : بعد مجموعتك القصصية الأولى (الليالي البيضاء) ماهو جديدك في الإبداع القصصي؟

ج : أنشر نادرا نصوصا قصصية.. أنتظرلها أن تصدرفي كتاب ريثما تتوفرلها الإمكانيات المادية ، لكني عموما أكتب بشكل أقل. بعد المجموعة الأولى كان يلزمني بعض التريث.. فالكتابة ليست تسلية ، هي مثل نبتة حساسة تحتاج إلى عناية فائقة وتحتاج أيضا إلى فضاء يخفق فيه هديرالباصات وهواء أنقى.. تحتاج إلى خبرة أعمق بالكائنات التي تدب حولنا.. لكنها ليست الواجهة الوحيدة.. الاهتمامات الفنية كلما تتعدد يطعم بعضها البعض الآخر.. المهم هو أن نكون قريبين دائما من هذه الدائرة.. فالإبداع مصدرشاعرية وحيوية كبيرين.. الكتابة والتشكيل والمسرح.. أولئك هم أصدقائي.. يحيونني كلما عبرت الشارع.

*أجري الحواربتاريخ 12 يوليوز1999 بمقهى الميناء بمدينة أصيلة وقد نشر بجريدة المنظمة شهرغشت من نفس السنة .

 

 

0 التعليقات: