في بلدتي الجذابة، التي تقع تحت الأذرع الملتوية لأشجار الصفصاف القديمة، عاش رجل يدعى بابا صالح كان فعلا مُصلحًا ومبدعًا للآلات الخيالية التي ترقص على حواف الواقع. كانت ورشته، وهي عبارة عن مبنى متداعي مليء بالتروس الموقوتة والبدع، وكان موضوعًا للحكايات الهامسة بين سكان المدينة.
في إحدى الليالي الحالكة ، بينما كان بلدتي نائمًة تحت غطاء كثيف من الضباب، وجد بابا صالح نفسه مسهدا غير قادر على النوم. نهض وصار يتجول في ورشته، وكان صدى خطواته يتردد في السكون الهادئ. حدق في أحدث إبداعاته، وهي فراشة على شكل ساعة بأجنحة قزحية الألوان تتلألأ في الضوء الخافت.
وبحركة سحرية ،
عادت الفراشة إلى الحياة، ورفرفت بأجنحتها الميكانيكية. شاهدها في رهبة وهي يطير،
وأجنحتها تخلق إيقاعات مثيرة من النقرات والطقطقة. لقد دعته إلى ملاحقتها، ولم
يستطع المقاومة.
بينما كان يطارد
الفراشة الآلية عبر شوارع البلدة المتعرجة، بدأ العالم من حوله يتغير ويتشكل من
جديد . فقد تحولت الشوارع المرصوفة بالحصى إلى مشهد من الألوان، وامتدت المنازل
وتلوت مثل حلوى عيد الميلاد . وومضت النجوم في الأعلى مثل عيون شريرة فيما كان
القمر يبتسم له بكرم زائد.
وجد بابا صالح نفسه
في مشهد أحلام ملغز وغامض ، وهو المكان الذي استسلم فيه الواقع للنزوة. لقد واجه
قطة ناطقة ذات نظارات صفراء وتسريحة شعر عالية كانت تتلو قصيدة عن معنى الوقت. والأشجار
تحولت إلى كائنات يقظة تهمس بأسرار الكون، ويتدفق النهر بزجاج سائل ينساب جريانه
بين الماضي والمستقبل.
وسط هذا العالم
الخيالي، التقى بابا صالح بحورية البحر التي كانت تغني أغاني اللحظات المنسية.
تردد صدى صوتها عبر التشكلات الطبيعية التي تشبه الحلم، حاملة ثقل الحنين والشوق.
أخبرته عن بوابة سرية تؤدي إلى عالم تتشابك فيه الأحلام مع الواقع.
اتبع بابا صالح الذي
انبهر بأغنية حورية البحر، توجيهاتها ووجد الباب مخفيًا داخل لحاء شجرة بلوط ضخمة.
وبيديه المرتعشتين، أدار المقبض، ففتح الباب ليكشف عن جدار من الألوان والذكريات.
وبينما كان يخطو
عبره، شعر بالوقت نفسه يتفكك إلى شظايا من حوله. تم نقله إلى مكان حيث اندمج
الماضي والحاضر والمستقبل في نسيج واحد من الوجود. لقد رأى لحظات من حياته، عادية
وغير عادية، مخيطة معًا بخيوط الكون.
عندما استيقظ
بابا صالح في ورشته، عادت الفراشة الآلية لتحط على كتفه. لقد ألمح عجائب الكون ،
وعلى الرغم من أنه لم يتمكن أبدًا من تفسير تجربته بشكل كامل لسكان البلدة، فقد
عرف أنه قد اكتشف جمال العالم المجهول.
منذ ذلك اليوم
فصاعدًا، استمر في محبة العبث والإبداع، لكن أجهزته كانت تحمل لمسة من الغموض،
وهمسة من مشهد الأحلام الذي زارته عارية . وفي لحظات الليل الهادئة، عندما ينام
العالم، كان يلقي أحيانًا نظرة خاطفة على حورية البحر الآلية، وهي تغني أغانيها
الخالدة في أعماق خياله.
0 التعليقات:
إرسال تعليق