الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


السبت، أكتوبر 14، 2023

نص سردي "سلم الهروب من قلبي" عبده حقي

 


كان الهواء يتلألأ بفراغ غريب وآسر، فراغ من أنفاسي التي كانت تدور مثل استعارات غامضة. لم يكن هذا الفراغ فراغًا حقيقيا يمكن لأي مجنون القبض عليه، بل كان لوحة قماشية ترك عليها الرسام المكناسي رسوماته البكر، في انتظار مبدع حفيد ليعطيها معنى.

ولأنه داخل هذا القلب، كانت غرف المشاعر لا تزال متشابكة، مثل الكروم في حديقة معلقة، في انتظار من يكتشفها. وكأن كل الأحاسيس التي سكنت نفوس البشر قد تم ضغطها في هذا القلب الفريد، في انتظار إطلاقها.

و صدري كحامل لهذا القلب الاستثنائي، وقفت به على عتبة الوحي. كل ما بقي لي هو المغامرة خارج حدود صدري، وإخراج أنفي من شرنقة وجودي، والبدء في رحلة اكتشاف التنفس . لقد تحول العالم من حولي إلى عالم من المعتقدات الأسطورية، حيث كان العادي غير عادي والدنيوي عميقًا.

ثم اشتاق القلب إلى التحرر، ورغباته كانت لغزًا يبحث عن حله. وهكذا، أنا، المسافر في هذا المشهد الغريب من الأحلام، انطلقت في مهمة لفك لغز هذا القلب، والكشف عن الكنوز المدفونة داخل غرفه، وتحرير الأسرار التي كانت متنوعة مثل صناديق المفاجآت. الذين ينتظرون، كل واحد منهم حريص على الانفجار من كياني.

لم تكن الرحلة طريقًا خطيًا، بل كانت رحلة متعرجة عبر الجسر الغريب والمجرد. كانت صعودًا في سلم الهروب، كل درجة منه تؤدي إلى عالم مختلف من الخيال، حيث يصبح المستحيل ممكنًا، ويذوب المعلوم في المجهول.

واجهت مشاهد مبهمة ، حيث تتدفق أنهار من الأحلام السائلة متحدية الجاذبية، وغابات من الأفكار الواعية تهمس بأسرار بلغة لا يفهمها إلا القلب. التقيت بشخصيات من صفحات القصص المنسية، كائنات ذات وجوه مثل المرايا المحطمة، تعكس مشهدًا من العواطف.

أرشدني القلب بهمساته ونبضاته، وقادني إلى أعماق العالم الغامض الذي كان يحتضنه. لقد وجدت صناديق من جميع الأشكال والأحجام، كل منها عبارة عن وعاء لمشاعر مكبوتة، أو ذاكرة مخفية، أو رغبة لم تتحقق. عندما فتحتها الواحدة تلو الأخرى، تدفقت المحتويات في موجة من الألوان القزحية والأصوات والأحاسيس التي غلفتني، ووسعت وعيي بطرق لم أكن أتخيلها أبدًا.

ولم تكن الرحلة خالية من التحديات، لأن عالمي السريالي هذا كان مكانا للمفارقات والحقائق المتغيرة. كان الزمن يتدفق إلى الخلف والأمام بالتناوب، والفضاء ينحني على نفسه مثل شريط. ولكن مع كل تحدٍ كنت أكبر، ومع كل وحي، كنت أشعر أن إيقاع القلب يتسارع، وكأنه يبتهج بتحرر أسراره التي طال أمدها في جوف القلب.

عندما وقفت على حافة الكشف الأخير، أدركت أن سلم الهروب الذي تسلقته لم يكن مجرد طريق لفهم القلب - بل كان رحلة لفهم نفسي أيضا. كانت أسرار القلب ورغباته انعكاسات لنفسي، ومن خلال حلها، فتحت فهمًا أعمق لروحي.

لقد حولتني تلك الرحلة إلى كائن عالم ، وعندما نظرت إلى القلب، الذي تحرر الآن من عبئه الغامض، أدركت أن الوجهة ليست هي التي تهم، بل الرحلة نفسها. لقد كانت مغامرة القلب رقصة من الخيال، وسمفونية من العواطف، وقصة سريالية تستعصي على التفسير.

0 التعليقات: