في الركن الخلفي من الحانة، لاح هذا السراب، الذي تكرمنا بإخبار بعضنا البعض عنه. وترددت أصداء ضحكات الزبائن في الأجواء المفعمة بالدخان، فيما خلقت الإضاءة الخافتة أجواء غامضة. جلست إلى طاولة مظلمة، أحدق في كأس الويسكي أمامي، محاولًا التخلص من أفكاري المضطربة.
"إنها رواسب زئبق"، تمتم رجل في الحانة، وهو يتحدث إلى رفيق بدا عليه إفراط في الثمالة. لفتت كلماته انتباهي، وانحنيت لأستمع إلى حديثهما، لمعرفة ما يدور حوله.
استمرا في
الحديث عن السراب، مستحضران الأساطير والقصص التي بدت وكأنها مستوحاة من قصة
خيالية. ووفقا لهما، فإن هذا السراب الغامض قد ظهر في قلب الغابة المجاورة، على
شكل وهج فضي في ظلام الليل. وقد حاول الكثيرون الاقتراب منه، لكن لم يعد أحد على
الإطلاق للإبلاغ عما رأوه. قالت الشائعات إن أي شخص يجرؤ على الاقتراب من السراب
سيواجه أعظم مخاوفه.
أصبح السراب
أسطورة محلية، حيث يجذب المغامرين والحالمين الشجعان الذين يبحثون عن تجربة غامضة
حقًا. لقد استغل أصحاب الحانات افتتانهم بالسراب في عمل مزدهر. قال البعض إن
السراب يمكن أن يجيب على سؤال أو يحقق أمنية، بينما زعم آخرون أنه مرآة روح أي شخص
يجرؤ على تحديه.
اعتقدت أن هذا
قد يختفي دفعة واحدة، وأنا أنظر إلى الزجاج أمامي. السراب، مصدر الكثير من الألغاز
والمؤامرات، كان مهووسًا بي منذ أن سمعت عنه. هل كان مجرد وهم، أم أنه قد يكشف
بالفعل أعمق أسرار النفس البشرية؟
وفجأة، ملأ
التوتر الكهربائي الغرفة، وشعرت بشيء يتغير. توقفت الأحاديث من حولي فجأة، وتركزت
كل الأنظار على مدخل الحانة. وظهرت شخصية ضخمة في المدخل، تاركة ضوء القمر يسطع
على فرائها الداكن. لقد كان الوحش، المخلوق الأسطوري الذي يقال إنه مرتبط عضويا بذلك
السراب.
تسارعت دقات
قلبي وأنا أحدق به، وعيناي مقفلتان بعينيه. لقد اعتقدت أن الوحش كان يتجه نحوي،
وأن نظرته الثاقبة كانت تخترق روحي. كان في ذهني يتسارع، مزيج من الانبهار والرعب.
هل كانت رؤيا أم كابوسا أم واقعا يسيطر علي؟
يبدو أن السراب
والوحش والأسطورة بأكملها تتقارب في هذه اللحظة. حبست الحانة أنفاسها في انتظار
معرفة المصير الذي يخبئه لي هذا اللقاء الغامض. كان لدي انطباع بأن السراب، هذا
التوهج الفضي في الغابة، كان يمد يده إلي، ويدعوني لاستكشاف أسراره.
نهضت من كرسيي
ببطء، عازمًا على مواجهة السراب واكتشاف الحقيقة وراء هذه القصص. ربما كنت على
استعداد للغوص في المجهول، لمواجهة رغباتي ومخاوفي. تقدم الوحش نحوي، صامتًا، لكن
نظرته بدت وكأنها تقول الكثير عن الطريق الذي كنت على وشك أن أسلكه. صمتت الحانة
مرة أخرى عندما عبرت العتبة، مستعدًا لكشف سر السراب ومعرفة المزيد عن نفسي أكثر
مما كنت أتخيله.
0 التعليقات:
إرسال تعليق