في الخامسة صباحًا، في شارع جديد وخالي، أسمع صوت سيارة تبتعد. تضيء المصابيح الأمامية الجدران المبنية من الطوب لفترة وجيزة، مما يخلق ظلالاً عابرة تتراقص في الظلام. يخيم الصمت مرة أخرى، ويغلف الشارع بطمأنينة تكاد تكون غير حقيقية.
وفجأة، يملأ الهواء لحن ناعم ومؤرق. إنه صوت التشيلو، الذي يعزفه موسيقي غير مرئي. تنساب نغماته خلال بزوغ الفجر، مما يخلق مشهدًا صوتيًا غامضًا ينقل ذهني إلى حالة من اليقظة. أتجول في الشارع مسترشدًا بهذا اللحن السماوي.
في كل زاوية،
أكتشف بوابات لعوالم غريبة وخيالية. يقودني درج حلزوني إلى متاهة تحت الأرض حيث
تضيء اليراعات الفوسفورية الجدران البلورية. وفي زاوية أخرى، تمتد غابة من الفطر
العملاق على مد البصر، تضيئها النجوم المعلقة في السماء تحت الأرض.
عند منعطف أحد
الأزقة، ألتقي بامرأة ترتدي فساتين متلألئة، وتحمل شمعة مضاءة في فانوس فضي.
تخبرني أن هذا الشارع هو الممر الوحيد بين العوالم، المكان الذي تنبض فيه الأحلام
بالحياة وينحني الواقع لأعمق رغبات الروح. أتبعها عبر البوابة الذهبية، فنجد
أنفسنا في صحراء ذات رمال ذهبية، حيث ترقص ثعابين قوس قزح تحت شمس أرجوانية.
وفجأة تتحول
المرأة إلى طائر متعدد الألوان .. يطير في السماء. أتبعها، بدوري أطفو فوق السحاب،
أعبر الأقاليم السماوية حيث النجوم متلألئة بالألماس. هبطنا معا على جزيرة عائمة،
حيث تعزف المخلوقات الأثيرية الموسيقى بآلات غير مرئية.
حل الليل، ووجدت
نفسي مرة أخرى في الشارع الجديد والخالي. يتلاشى لحن التشيلو ببطء، ويفسح المجال
للصمت. يستعيد الواقع قبضته على العالم، لكن في قلبي أحتفظ بذكريات هذه الرحلة
الاستثنائية عبر أبعاد الخيال الثلاث.
أمشي ببطء في
الشارع، وكان أول ضوء للفجر يضيء الجدران المبنية من الطوب من جديد. ويسمع صوت
سيارة تقترب، مما يعيد الشارع إلى الحياة. لكن بالنسبة لي، هذا الشارع الجديد
والخالي سيظل دائمًا مكانًا تلتقي فيه الأحلام بالواقع، حيث يصبح المستحيل ممكنًا،
وحيث تستمر موسيقى الروح في العزف، حتى في الصمت.
0 التعليقات:
إرسال تعليق