لقد تميز وجودي المتواضع بالطين اللزج الذي بدا وكأنه يحملني في الظلام. كنت مثل كنز منسي، مختبئًا تحت طبقات من عدم الاهتمام واللامبالاة.
ومع ذلك، في وسط هذا الظلام، وجدت معنى لحياتي. لم يكن وجودي عبثاً، فأنا كنت كالدودة التي تحمل أنفاس سيدها. كان سيدي أديبا، شاعرا وكانت كلماته مشبعة بالعاطفة والرموز. كانت كتاباته احتفالًا بالحياة، وقصيدة للحب، وتأملًا في حالة الإنسانية.
كل صباح، كان
سيدي يجلس في مكتبه الصغير، ملاذه الإبداعي. كان يأخذ ريشة ويغمسها في حبره، ثم
يبدأ في الكتابة. كانت كلماته من أكثر رفاقه إخلاصًا، ولكن كان هناك رفيق آخر، غير
مرئي تقريبًا، يرافق كل سطر يرسمه - كنت أنا، دودة الشعر.
شعرت بدفء
عاطفته عندما كانت كلماته تتحدث عن الحب المتقد، وغمرني حزن أشعاره عندما ساد
الحزن. لقد عشت عمق عمليته الإبداعية، ولحظات الشك والإلهام، وانتصاراته وهزائمه.
لقد كنت الصديق الصامت لأعمق أفكاره، وأحلامه الأكثر جموحًا، ومخاوفه الأكثر قتامة.
وبمرور الوقت،
لمست كلمات سيدي قلوب الكثير من الناس. وقد تمت قراءة قصائده وإلقاءها في جميع
أنحاء البلاد، مما جلب الراحة والإلهام والأمل لأولئك الذين اكتشفوها. لكن قلة من
الناس يعرفون أنني كنت هناك، دودة مختبئًة بين السطور، أحمل معي أنفاس سيدي.
حياتي متواضعة،
لكنها كانت غنية بالمعنى. لقد كنت الشاهد المميز لإبداع سيدي، والحارس لكلماته
وروحه. لقد مررت بتجارب الحياة، وبصقت ورفضت في بعض الأحيان، لكنني واصلت دائمًا
مهمتي الصامتة.
بدأت حياتي في
مكتبة صغيرة على ناصية الشارع، مكان متواضع لكنه دافئ يأتي إليه الحالمون
والباحثون عن الكنوز الأدبية ليهيموا فيه. لقد اختارني سيدي، وهو شاعر مسن ذو مظهر
لطيف وخيال لا حدود له، من بين كومة من الدفاتر الفارغة الأخرى. أخذني بين يديه
الناعمتين المتجعدتين وهمس: "سوف تكونين أيتها الدودة حارسة قصائدي، وشاهدة
على أفكاري الأكثر حميمية".
وهكذا بدأت
رحلتنا معا. لقد أصبحت من أكثر المقربين منه إخلاصًا، أرحب بأفكاره كل صباح، وهو ما
زال ضبابيًا من أثر النوم، وأسجل كل ليلة قصائده التي تنبض بالحياة . كنت هناك
عندما كتب قصيدته الأولى، وهي قصيدة مؤثرة عن حياة شاعر مكسور القلب، وكنت هناك
عندما أكمل قصيدته الأخيرة، وهي قصيدة تنضح بجمال الحياة العابر.
لقد مررنا معا
بكل فصول الحياة ، صعودًا وهبوطًا. كانت هناك لحظات من الشك عندما فكر في التوقف
عن الكتابة، لكنني كنت أشجعه دائمًا على المثابرة. لقد كنت مرساته، وملهمته
الصامتة.
مرت السنون، لكن
رباطنا لم يضعف. لقد تقدم سيدي في السن، وبدأ جسده يضعف، لكن عقله ظل متوقدا. تغير
زوار المكتبة، وأصبحت الوجوه أقل ألفة، لكنه كان لا يزال هناك، مخلصًا لكرسيه،
يكتب بتصميم لا يتزعزع.
وفي أحد الأيام،
جاءت الخبر كالصاعقة من السماء. كانت المكتبة الصغيرة على وشك الإغلاق. حيث سيطر
العصر الحديث، وأصبحت الكتب الورقية نادرة.
لكنني علمت أن
قصتنا لا يمكن أن تنتهي هكذا. لقد اتخذت قرارًا بأن أصبح الحارس النهائي لكلماته.
تم تعبئتي بعناية، لحمايتها من مرور الزمن، وبقيت مختبئًة في زاوية المكتبة، أنتظر
اللحظة المناسبة.
وفي أحد الأيام
أعيد افتتاح المكتبة . عادت الكتب إلى موضتها، وكان الناس يتدفقون لإعادة
اكتشافها. عندها تم اكتشافي صدفة ، وتم إخراجي بلطف من مخبئي.
لقد تعرفت على
العالم، ليس كدفتر ملاحظات بسيط، بل ككنز أدبي، وشهادة على مثابرة الشاعر الشغوف.
لقد غادر سيدي هذا العالم منذ فترة طويلة، لكن أشعاره لا تزال حية، وذلك بفضلي.
كانت حياتي
متواضعة، لكنها كانت غنية بالمعنى. لقد كنت الشاهد المميز لإبداع سيدي، والحارس
لكلماته وروحه. والآن واصلت مهمتي الصامتة، ومشاركة تراثه الأدبي مع كل القراء في العالم،
وتذكير الجميع بأنه حتى الكلمات المتواضعة يمكن أن تحتوي على كنوز لا تقدر بثمن.
واليوم، على
الرغم من أن سيدي لم يعد في هذا العالم، إلا أن كلماته لا تزال حية، وتحمل بداخلها
نسمة روحه. أنا الدودة الشاهدة على أنفاس سيدي، ويتحول تواضعي إلى فخر صامت مع
استمرار إرثه عبر الزمن.
0 التعليقات:
إرسال تعليق