الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الأحد، ديسمبر 10، 2023

خبايا الصراع الاستراتيجي لكابرانات الجزائر ضد المغرب: عبده حقي


لطالما اتسمت منطقة شمال أفريقيا بديناميات جيوسياسية معقدة وصراع تاريخي منذ مطلع الستينات . إحدى هذه المناوشات والعداوات الدائمة هي العلاقة المتوترة بين الجزائر والمغرب، والتي تذكي نارها شبكة معقدة من العوامل التاريخية والسياسية.

إن الآثار المتبقية للاستعمار الأوروبي ، مع حصول الجزائر على الاستقلال المزعوم عن فرنسا في عام 1962 والمغرب عن كل من فرنسا في عام 1956 وعن إسبانيا على مراحل متقطعة في عدة أجزاء من خارطته الجغرافية كان آخرها استرجاع أقاليمه الصحراوية عام 1975 بفضل المسيرة الخضراء التي شارك فيها 350000 مغربي ومغربية ، كل هذه العوامل قد مهدت الطريق للعبة شد الحبل منذ ذلك التاريخ. وقد أدى نزاع الصحراء المغربية المفتعل، وهو نزاع إقليمي يبدو في الواجهة بين المغرب وجبهة البوليساريو التي يدعمها كابرانات الجزائر في السر والعلن إلى زيادة التوترات السياسية والعسكرية في المنطقة.

لقد شكل هؤلاء الكابرانات قوة لوبي عسكري في المشهد السياسي في الجزائر. وتعود أصوله إلى فترة ما بعد الاستقلال المضطربة عندما أدى الصراع على كرسي الرئاسة داخل جبهة التحرير الوطني إلى ظهور شبكات تواطؤات سرية أدت إلى الإطاحة بأول رئيس شرعي في الجزائر أحمد بن بلة وتسميم هواري بومديان في 27 ديسمبر 1978 واغتيال محمد بوضياف في 29 يونيو 1992 ..إلخ . وعلى مر السنين، لعب هؤلاء الكابرانات دوراً حاسماً في تشكيل الوجه السياسي للجزائر، مع ادعاءات بالتأثير والتلاعب وتوطيد السلطة من وراء الكواليس.

يمكن النظر إلى استمرار الجزائر في العداء لجارها المغرب على أنه مناورة استراتيجية يدبرها الكابرانات للتشديد على قبضتهم على السلطة. ومن خلال تعزيز خطاب التهديد الخارجي وتصوير المغرب على أنه عدو دائم، يعمل الكابرانات على صرف الانتباه عن القضايا الداخلية، وتوحيد السكان تحت قضية مشتركة، وتعزيز سلطتهم. ولا يقتصر هذا التكتيك الفاشل على الجزائر فحسب، بل إن له أوجه تشابه تاريخية في دول ديكتاتورية أخرى خصوصا في المنطقة العربية حيث يستخدم القادة الصراعات الخارجية لتعزيز الجبهة الداخلية.

إن هذا العداء المزمن للجزائر على المغرب له آثار أوسع على المشهد الاقتصادي والجيوسياسي في منطقة شمال إفريقيا . إن منطقة المغرب الكبير، التي تضم كلا من المغرب، والجزائر، وتونس، وليبيا، وموريتانيا، ظلت تناضل لفترة طويلة من أجل تحقيق التكامل الإقليمي على مختلف الأصعدة. فهذا العداء المستمر يعيق جهود التعاون الاقتصادي وحل المشاكل الأمنية المشتركة وتحقيق هوية مغاربية موحدة. وهذا لا يعيق تنمية المنطقة فحسب، بل يتركها أيضا عرضة للضغوط الخارجية.

ولا يقتصر صراع الجزائر مع المغرب على حدودهما فحسب، بل تمتد آثاره في الساحات الدولية. حيث تحاول الجزائر مزاحمة المغرب على النفوذ في المنظمات الإقليمية، وعلى التحالفات الدبلوماسية، وتسعى للحصول على الدعم الدولي لموقف كل منهما بشأن نزاع الصحراء المغربية التي استرجعها المغرب وفق المشروعية القانونية الدولية والتاريخية وروابط البيعة التي كانت ولا تزال تجمع بين السلاطين بالمواطنين المغاربة منذ قرون.

إن كابرانات الجزائر، ومن خلال سيطرتهم على السياسة الخارجية الجزائرية، في هذه الاندحارات الدبلوماسية للحفاظ على توازن جد دقيق يخدم أساسا مصالحهم الشخصية الذاتية.

وإذا كان هؤلاء يستفيدون من إطالة لعبة الصراع مع المغرب، فإنهم بذلك ينسفون كل إمكانية لتهدئة التصعيد واللجوء إلى الرشد العقلي والمصالحة السياسية. إن حل النزاعات الطويلة الأمد، بما في ذلك نزاع الصحراء المغربية المفتعل، يمكن أن يمهد الطريق لتحسين العلاقات بينهما.

إن عداء الجزائر لجارها المغرب هو ظاهرة متعددة الأوجه وذات مناورات تاريخية عميقة تروم إلهاء الشعب الجزائري الشقيق عن مساءلة الكابرانات عن تبذير ثروات البلاد النفطية والبحث عن تبرير الإنفاق العسكري وتضخيم فكرة المغرب كعدو مفترض. إن الفرضية القائلة بأن الجزائر تضع المغرب استراتيجيًا كعدو دائم لها لإدامة حكم الكابرانات، تلقي الضوء على التفاعل المعقد بين السياسة الداخلية والقومية والديناميات الدولية. وبينما يعاني المغرب الكبير من العواقب المترتبة على هذا العداء الدائم، فإن إمكانية التوصل إلى حل تظل مشروطة بمعالجة المزاعم السياسية التاريخية الجزائرية وتعزيز رؤية مشتركة لمستقبل المنطقة ولن يتحقق ذلك إلا بقبول مقترح الحكم الذاتي في القطاع الصحراوي الذي اقترحه المغرب على المنتظم الدولي منذ 2007 ولا حل آخر قادر على إنهاء هذا الصراع المفتعل غير الحكم الذاتي.

0 التعليقات: