الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


السبت، أغسطس 17، 2024

نص سردي "سيمفونية الستار المحموم": عبده حقي


تحت إيهاب الكون، أحلام الحمى، حيث يرقص الوهم، شبح مراوغ، مختبئ في الحرير الناعم لخداع العقل، عاشق شبح يهمس بألسنة، تغوي العقل برائحة الاضمحلال.

في حصن الفكر، تهتز الأعمدة، بينما تغني الأوهام تهويداتها للنجوم، صوتها صبغة من العسل والسم، كل نغمة هي نبض في عروق الثورة، رجفة في تكتونيات الفكر.

هنا، في غرفة القلب المحمومة، يحكم الوهم مثل ملكة الظل، تاجها إكليل من الأشواك والورود، وصولجانها ثعبان متشابك مع الأحلام، كل لفة تتقلص حول نبض الحقيقة.

لكن الحقيقة، ذلك الحارس الصامت، لا تنام، إنها تعيش داخل عظام الزمن المجوفة، ترنيمة هادئة في نخاع الوجود، تنمو مثل اللبلاب في شقوق الشك، جذورها تحفر عميقًا في لحم العالم.

الوهم، مثل مرض مسعور، ينتشر، حريق هائل في حقول العقل، يستهلك المنطق، ويلتهم العقل، ويترك وراءه قشور الفكر المتفحمة، أرض قاحلة حيث تبقى أصداء الفكر.

ومع ذلك، في رماد هذا الخراب، ترتفع الحقيقة مثل طائر الفينيق، تولد من جديد، أجنحتها بلون الأحلام المنسية، كل ريشة هي جزء من الأبدية، تتلألأ بضوء النجوم المدفونة.

الوهم، تلك الحمى التي تصيب الروح، تشتعل وتخفت مع نبض العالم، مرض يزدهر في ظلام الخوف، ولكن الحقيقة، مثل لمسة المعالج، تحرقها، وهي شعلة تطهر عدوى الفكر.

لكن المعركة ليست بهذه البساطة، وليست بهذه النظافة، فالوهم عنيد، وهو طفيلي على العقل، يتشبث بعظام الفكر، يقضم أوتار العقل، ويترك جروحًا تتقيح في الصمت.

وهكذا يبدأ العلاج، جرعة مريرة، سم بطيء لجذور الوهم، كل جرعة قطرة من نور العقل، منارة في ضباب هذيان العقل، توجه الفكر عبر متاهة الشك.

ومع ذلك، مع انحسار الحمى، ومع تلاشي الوهم، ما الذي يبقى سوى ندوب المعركة؟ العقل، الذي كان خصيبًا ذات يوم، أصبح الآن بورًا، وحقوله مملحة بدموع الوهم، أرض قاحلة حيث لا يمكن أن تنمو إلا بذور الحقيقة.

لكن هذه البذور عنيدة، بطيئة في الإنبات، فهي تتطلب مطر الشك، وشمس الاستقصاء، لتدفع جذورها عميقًا في أرض الفكر، لتزدهر في أزهار الحكمة، وتقبّل بتلاتها ندى الفهم.

وهكذا تستمر الدورة، رقصة من الاضمحلال والبعث، الوهم والحقيقة متشابكان في دوامة من الوجود، كل منهما يتغذى على الآخر، كل منهما يولد التالي، سيمفونية من التناقضات، وتناغم من الفوضى، حيث يتلاشى الخط الفاصل بين الوهم والحقيقة.

في النهاية، ما الوهم إلا ظل الحقيقة؟ ما الحقيقة إلا عظام الوهم المكشوفة؟ إنهما ثعبانان توأمان، ملتفان حول محور الفكر، كل منهما يعض ذيل الآخر، أوروبوروس العقل، رمز للرقصة الأبدية، رقصة الوجود المحمومة.

وهكذا، تبقى لنا هذه الحقيقة البسيطة: الوهم هو الحمى، والحقيقة هي العلاج، ولكن في رقصهما، يخلقان موسيقى الحياة، لحن يتردد صداه عبر ممرات الزمن، أغنية ستلعب حتى تحترق النجوم.

وبينما نستمع، وبينما نرقص على هذا اللحن الكوني، ندرك أن الفرق بين الوهم والحقيقة ليس في جوهرهما، بل في وظيفتهما، لأن أحدهما هو الظل، والآخر هو الضوء، وكلاهما ضروري لرسم العالم بالمعنى.

لذا دعونا نرقص، دعونا نغني، في هذا الحلم المحموم، حيث الوهم والحقيقة هما شيء واحد، والعقل هو المسرح، والعالم هو الجمهور، نصفق لمسرحية الظلال والضوء، بينما نحن الممثلون نؤدي سيمفونية الحجاب المحموم.


0 التعليقات: