الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


السبت، أغسطس 17، 2024

قصيدة شعرية "أغنية لفولتير"عبده حقي


في جوف ساحة السوق المظللة، حيث تسكب الشمس الذهب مثل الكيمياء المنسية، يطن الهواء بالهمسات، غير مرئية أو مسموعة بعد، جوقة من الأشباح، ضائعة بين الأكشاك، هنا، تحت عين السماء الواسعة غير المعروفة، يتحول العالم إلى سراب من الأشكال المتلألئة.

يتنفس السوق بنبض إيقاع خفي، وأوركسترا من الهمهمات، وحفيف الحرير، حيث ينهار الوقت في نغمة واحدة مرتجفة، وكل ما كان، أو سيكون، يرتجف في قبضته.

يبتسم فولتير، الشبح في الرخام، ابتسامته المختفية، شبح معلق بين الذاكرة والنسيان.

هل هو التاجر، الفيلسوف، المهرج؟

أم أنه مجرد خدعة من الضوء، حلم ساحر؟

تمثال نصفي له، تمثال نصفي، أم مجرد هواء نجرؤ على تصديقه؟

عيناه ككرتان من الرخام، ومع ذلك تتلألأان بنار العقل، تذوبان في رمال السوق غير المرئية، حيث كل رجل بائع، غبار رغباته الخاصة.

ينتفخ السوق، متاهة محمومة من النفوس، كل كشك هو بوابة إلى الماضي المنسي للآخر، أو إلى مستقبل لم يُعاش، معلقًا على خيط القدر، هنا، يرقص الماضي والمستقبل في دوائر، ممسوكًا بخيوط غير مرئية من يد محرك العرائس، ويضحك فولتير، صوت يذوب في الهواء.

ابتسامته هي شفرة، رمز للغز الحياة، يجب أن يحلها المجانين والحكماء، وأولئك الذين يجرؤون على التشكيك في حقيقة عيونهم، يقف، دون أن يتأثر، بينما تدور السوق وتتحول، مرساة في بحر الحلم المتغير باستمرار، وجهه لغز، يتلاشى إلى الأبد، ولكنه موجود إلى الأبد.

كل شخصية في السوق هي ظل للماضي، صدى لصوت صمت طويلاً، لكنه لم يفقد تمامًا، بائع الفاكهة يبيع بضاعته للريح، والريح تحمل صوته إلى آذان الموتى، هنا، كل شيء ممكن، ولا شيء كما يبدو،

يذوب تمثال فولتير، لكنه لا يتلاشى حقًا أبدًا.هل هو صوت العقل في عالم مجنون؟ أم أنه من بقايا زمن لم يكن موجودًا قط، ولكنه موجود دائمًا؟ إن وجوده يشكل مفارقة، شبحًا في الآلة، شبحًا في السوق، يطارد أحلام الرجال، إنه تمثال نصفي يختفي، ومثال مثالي يتلاشى، سر السوق، لا يعرفه إلا أولئك الذين لا يبحثون.

السوق مسرح، وفولتير نجمه، شخصية من الرخام والضباب، من الضوء والظل، يقف في وسط الرقص الدوامي، عيناه هما مرايا الحقيقة الأعمق للروح، وفيهما نرى أنفسنا، منعكسين في نظراته، لحظة من الوضوح في فوضى الحلم.

لكن السوق يتحرك، غير مبال بالشبح، أكشاكه تتحرك وتتألق، مثل الأمواج في البحر، وفولتير، التمثال النصفي، الرخام، الفكرة، يتلاشى في الخلفية، ذكرى ، ومع ذلك، في مكان ما، في قلب الحلم،

يبقى، حاضرا إلى الأبد، ولكنه يختفي دائما.

السوق هو العالم، والعالم هو السوق، مكان التغيير اللامتناهي، والأشكال العابرة، وفولتير هو الثابت، ونقطة الاختفاء، والمركز الذي تدور حوله كل الأشياء وتتلاشى، وابتسامته هي ابتسامة السوق، ابتسامة العالم، تذكير بأن كل شيء وهم، ولا شيء كما يبدو.

في النهاية، السوق هو مرآة تعكس الروح، وفولتير هو الانعكاس، الصورة المختفية، رمز الأبدية، الرقص الذي لا ينتهي، وجهه هو وجه الحلم، وجه السوق، وجه موجود دائمًا، ومع ذلك لم يُرى تمامًا،

وجه هو العالم، الحلم، السوق، الإنسان.

وهكذا يتنفس السوق، نبضه إيقاع صامت، أغنية للمفقودين، والموجودين، والأحياء، والأموات، وفولتير

، التمثال النصفي، الشبح، الفكرة، يبقى، يتلاشى إلى الأبد، ولكنه لم يرحل حقًا، شخصية في الحلم، ظل في الضوء، ذكرى ابتسامة، سوق الروح.


0 التعليقات: