توفي إلياس خوري، الروائي والمفكر اللبناني البارز، في 15 سبتمبر 2024 عن عمر يناهز 76 عامًا. وقد تركت مساهماته الأدبية ونشاطه من أجل القضية الفلسطينية بصمة لا تنمحي في الأدب والثقافة العربية. غالبًا ما استكشفت أعمال خوري موضوعات الذاكرة الجماعية والصراع ونضالات الشعب العربي، وخاصة فيما يتعلق بالتجربة الفلسطينية.
ولد خوري في 12 يوليو 1948 في بيروت، لبنان، ونشأ في عائلة يونانية أرثوذكسية من الطبقة المتوسطة. أثار اهتمامه المبكر بالأدب، وخاصة أعمال الروائي اللبناني جرجي زيدان، اهتمامه بالأدب والتاريخ العربي. تابع تعليمه العالي في الجامعة اللبنانية، حيث درس التاريخ، وحصل لاحقًا على درجة الدكتوراه في التاريخ الاجتماعي من جامعة باريس عام 1972. وقد أثرت هذه الخلفية الأكاديمية على مسيرته الأدبية، حيث غالبًا ما كان تتشابك السرديات التاريخية مع نصوصه الإبداعية الأدبية.
بدأت رحلة خوري
الأدبية بجدية في سبعينيات القرن العشرين، مع نشر روايته الأولى " عن علاقات
الدائرة" (1975). وقد عززت أعماله اللاحقة، بما في ذلك "الجبل
الصغير" (1977) و "باب الشمس" (1998)، سمعته كصوت رائد في الأدب
العربي. وتشتهر رواية " باب الشمس" على وجه الخصوص بتصويرها المؤثر
للاجئين الفلسطينيين وجراحات النكبة، الكارثة التي حلت بالفلسطينيين أثناء تأسيس الكيان
الصهيوني عام 1948. وقد تم تحويل هذه الرواية لاحقًا إلى فيلم، مما زاد من توسيع نطاقها
وتأثيرها.
طوال مسيرته
المهنية، كتب خوري على نطاق واسع في منشورات مختلفة، بما في ذلك عموده الأسبوعي
المؤثر "هواء طلق" في القدس العربي . في هذا العمود، تناول قضايا
اجتماعية وسياسية ملحة، مما جعله منصة للخطاب حول تحرير الإنسان العربي. غالبًا ما
عكست كتاباته التزامه العميق بالقضية الفلسطينية، مؤكدًا على أهمية الذاكرة
والهوية في مواجهة النزوح والصراع.
لم يقتصر نشاط إلياس
خوري على الكتابة فقط، بل كان مشاركًا بشكل كبير في حركة التحرير الفلسطينية، حيث
عمل كمحرر في مجلة الشؤون الفلسطينية ، وهي مجلة تابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية،
من عام 1975 إلى عام 1979. وقد أثرت تجاربه خلال الحرب الأهلية اللبنانية
وتفاعلاته مع اللاجئين الفلسطينيين بشكل كبير على نظرته للعالم وإنتاجه الأدبي.
بالإضافة إلى
مساعيه الأدبية والصحافية، قام خوري بالتدريس في العديد من الجامعات المرموقة في
جميع أنحاء العالم، بما في ذلك جامعة كولومبيا والجامعة الأميركية في بيروت.
وكثيراً ما تقاطعت أعماله الأكاديمية مع مساعيه الأدبية، حيث سعى إلى إلهام أجيال
المستقبل من الكتاب والمفكرين.
يتميز إرث إلياس
خوري بتفانيه الملتزم والثابت في خدمة القضية الفلسطينية واستكشافه لتعقيدات
الهوية العربية. وقد تُرجمت أعماله إلى لغات متعددة، مما جعل أعماله في متناول جل
القراء في العالم . وعلى الرغم من التحديات الصحية التي واجهها في سنواته الأخيرة،
واصل خوري الكتابة والتواصل مع قرائه، ومشاركة أفكاره على وسائل التواصل الاجتماعي
حتى وهو على سريره في المستشفى.
وفي تأمل مؤثر
حول معاناته، كتب خوري عن العنف المستمر في غزة، معربًا عن تضامنه مع أولئك الذين
يعانون من صعوبات الحياة اليومية هناك . وتجسد كتاباته الأخيرة التزامه مدى الحياة
بالعدالة الإنسانية.
إن وفاة الكاتب
الكبير إلياس خوري تشكل خسارة كبيرة للمشهد الأدبي والمجتمع العربي. إن مساهماته
في الأدب ودفاعه عن حقوق الشعب الفلسطيني ستظل تلقى صدى قوياً، وستلهم الأجيال
القادمة للتعامل مع إشكالات الهوية والذاكرة والمقاومة.
0 التعليقات:
إرسال تعليق